حروب علنية وأخرى سرّية..
    

حروب علنية وأخرى سرّية..

داعش الكترونياً!

 

بقلم: عباس البغدادي

 

سعت الماكينة الأميركية الإعلامية ومعها حليفتها الغربية، ومنذ صعود أسهم داعش في رقعة الأحداث المتسارعة في المنطقة، الى رسم صورة لهذا التنظيم، فيها الكثير من الإتقان والتحضير المسبق، وكانت سابقة لم يعهدها مراقبو السياسة الأميركية في ملف الإرهاب منذ ثلاثة عقود، فلقد سوّقت التنظيم اعلامياً على أنه (رقم صعب) يمكن أن يؤثر في تحديد مستقبل المنطقة، وصوّرته أيضاً بأنه (متماسك وذو قدرات تنظيمية عالية)، ويستفيد من التقنيات العصرية بشكل موّسع، هذا ناهيك عن إضفاء صفات سوبرمانية، قلما توزعها أميركا بهذا السخاء على أعدائها، مثل وصف التنظيم بأنه (صعب الاختراق)!

تناولت في مقالٍ سابق بعنوان "داعش طبخة الشروط الأميركية لإعادة رسم المنطقة" مجمل الأسئلة الملتبسة حول الدور الأميركي في صعود التنظيم الإرهابي، وما يُرسم له من أدوار في منطقتنا الملتهبة، وامتداداً لذلك الدور الأميركي في رقعة الأحداث وتداعياتها، يأتي البُعد الإعلامي، وبالذات ضمن شبكة الانترنت، وما يرافقه من تواطؤ أميركي مشبوه في جعل سفينة داعش تبحر بهدوء وسلاسة في خضّم أمواج الانترنت، التي هي أفضل وأنجع وسيلة عابرة للقارات، يمكنها أن تحمل الكثير عن كاهل التنظيم الإرهابي.

وخشية الإطالة، أفترض هنا ان الجميع يُسلّم بأهمية دور الشبكة العنكبوتية في نشر الأفكار والأخبار والسياسات والثقافات والأسواق، في عالم معقد، عبر تقنية مبسطة في متناول الجميع، ظاهرها الانفتاح المطلق، وهذا ما جعل التنظيمات المحلية والدولية بكل توجهاتها، تستثمر إمكانات الشبكة. الى هنا لا مشاحة في هذه الحقائق، ولكنها لفرط تعقيدها في جوانب كثيرة، وبفعل تراكمات جمّة، يمكن أن توازيها تقييدات كثيرة وفائقة الأهمية، وأحيانا مصيرية، تولّدت بفعل مخاطر ذات أبعاد أمنية، لا تهدد فقط مواقع الكترونية أو مؤسسات تغصّ بها الشبكة، بل أخذت تمسّ أمن الدول والمجتمعات، وظهرت الجريمة الالكترونية المنظمة بكل تنوعاتها، وكان أخطرها جرائم التجسس على الأسرار الرسمية (أمنية وعسكرية واقتصادية) لدول متقدمة، مثل الولايات المتحدة، وعلى ضوء ذلك تأسست الشرطة الالكترونية، ودوائر مكافحة الجريمة الالكترونية، ورُصدت الميزانيات الكبيرة لمكافحة الجريمة -بشقها الالكتروني- في الفضاء السايبري (الانترنت)، واستشعرت الدول الكبرى ذات الاقتصادات العملاقة هذه الأخطار قبل غيرها، وتم في قضايا عدة تبادل الاتهامات بين تلك الدول، بأنها وراء بعض الأنشطة كجزء من الحروب السرية وتدافع المصالح!

لقد أدرك الجميع حجم الجريمة المنظمة (وبالذات التي تمارسها أميركا) في فضاء الانترنت بعد تسريبات إدوارد سنودن عميل الـ CIA والمتعاقد مع وكالة الأمن القومي في منتصف 2013، وكان منها التجسس على مئات الملايين من مستخدمي الانترنت، في أميركا وخارجها، والتجسس عبر الشبكة على حكومات عدة، ومنها حكومات غربية حليفة كفرنسا والمانيا! وأصاب المتابعون الذهول لحجم تلك العمليات.

وفي سياق ذلك، كانت التسريبات التي أفشاها موقع ويكيليكس، والتي أماطت اللثام عن الدور الأميركي، متبوعاً ببعض الحلفاء الغربيين في ممارسة التجسس الالكتروني على نطاق واسع، ولسنوات طويلة، دون أي اعتناء أو التزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تجرّم مثل هذه الأنشطة، وتصنفها في ظروف معينة بأنها جريمة منظمة!

ولكن ما يهمنا هنا، هو التسلط الأميركي المسبق على فضاء النت، وتسويغ ممارسة أنشطة التجسس (جريمة منظمة ايضا) بلا أية حدود أخلاقية ينبغي مراعاتها، وان الجميع مستهدف بالمراقبة بتنوع أشكالها، أفراداً وجماعات وحكومات! هذا إذا استدعينا هنا حقيقة أخرى، وهي أن كل الدوماينات (أسماء نطاقات المواقع مثل com و net) تُدار بتحكّم أميركي كامل، وتحتكرها الإدارة الأميركية، حيث أُنشئت عام 1998هيئة الإنترنت للأرقام والأسماء المُخصصة (ICANN) ومقرها كاليفورنيا، ولديها سلطة مطلقة بحجب أي نطاق وبذرائع شتى، وذلك يمكن أن يحدث بسهولة، تشبه إغلاق حساب الايميل من قبل شركة ياهو أو جيميل! مثلما تتحكم الولايات المتحدة بالكابلات الرئيسية العابرة للقارات (تمر تحت المحيطات)، التي توزع الانترنت الى أرجاء المعمورة، وقادرة أن تتحكم بمستويات السرعات وتوسعة الشبكات!

وهناك الكثير الذي يدعم حقيقة تسلط الإدارة الأميركية على مجمل أنشطة الفضاء السايبري تقنياً، ويقع هذا التسلط ضمن النطاق الأوسع لنزعة الهيمنة لتلك الإدارة، كما لا يفوتنا حجم المشاركة الإسرائيلية في تعزيز هذا التسلط، الذي يخدم مجمل سياساتها، ويعزز هذه الحقيقة ما صرّح به أفياتار متانيا (رئيس الهيئة الوطنية الإسرائيلية للسايبر) قبل بضعة شهور، بأن 11% من مجموع المبالغ المستثمرة عالميا في مجال الفضاء الالكتروني قد تم استثمارها في شركات اسرائيلية، وهذه الهيئة مهتمة بأنظمة (الدفاع الالكتروني).

* * *                                                                           

لقد لعب الفضاء السايبري دوراً غير تقليدي في أحداث المنطقة في السنوات الأخيرة، وخصوصاً إبان ما يُعرف بالربيع العربي في تونس وليبيا ومصر، وكان الاحتفاء غير تقليدي أيضا من جانب أميركا التي شجّعت، ورعت وواكبت وتدخلت في تلك الأحداث، ولا مجال هنا في سبر ذلك الدور الأميركي برّمته، الذي أنتج فيما بعد أجزاءً من (الفوضى الخلاّقة)، والتي بشّرت بها الإدارة الأميركية، ولكن ما يهمنا هنا ذلك التضخيم المتعمد والمدروس لدور شبكات التواصل الاجتماعي (كجزء من فضاء الانترنت) في إشعال تلك الأحداث، ومن ثم إدارتها والتحكم بها، بل ان السي أن أن بخبثها المعهود لم تتوانَ عن إطلاق وصف (التزعم الالكتروني) لتلك الأحداث في غمرة تلك المعمعة، وكانت تستند الى ان (الزعماء الناشطين) في الفيسبوك وباقي شبكات التواصل يحركون الأحداث و(يتحكمون) بها!! وصوّرت الأبواق الأميركية بأن الفيسبوك قادر على إشعال فتيل الثورات (بأداء مستخدميه فقط)! وحشّدت الاستخبارات الأميركية، ومعها كل ترسانتها الإعلامية وحليفاتها الغربية، خبراتها في تخليق قوة أسطورية يتزعمها الفيسبوك! وانطلت الفكرة على المستفيدين اولاً من هذا الواقع المصطنع، ثم انطلت ايضا على بعض المواكبين للأحداث، ممن يدوّخهم مذاق الطبخات الأميركية في المنطقة، وصدّقوا ان الناشط الشاب (وائل غنيم) يمكن أن يقلب نظام مبارك بكل جبروته عبر (الفسفسة، كما يعبّر عنها المصريون)، ووائل نفسه قد ابتلعه النسيان سريعا بعد انتهاء المسلسل الأميركي (حلقة الفيسبوك)، ولم يسأل أحد كيف يمكن نسيان (زعيم) قلبَ حكومة متسلطة، ولم يعد شيئاً مذكورا، فهل نسي استخدام الانترنت، أم أضاع كلمة السر في حسابه على الفيسبوك؟!

تلك كانت القدرات الأميركية في (صناعة) الأحداث، حتى لو توسلت بادّعاءات تنافي الحقائق وتجافي المنطق، وكان دورها جليّاً إبان أحداث الحراك المصري ضد نظام مبارك، فكانت تنقل لحظة بلحظة إرهاصات تفكيك الدولة المصرية، وتغطّي بتضخيم مرّوع تحركات الناشطين على الشبكة، وتطلق الإشاعات التي تغذي الحرب النفسية ضد النظام وأتباعه، وترسم الخطط للنشطاء، و (تستضيف) الشباب من فرسان الفيسبوك على شاشات أعتى القنوات الإخبارية، مثل الـ CNN والـ BBC والـ ٍCBS والـ ABC ويورو نيوز، وغيرها كثير، كما كانت التغطية سخية في تضخيم أي نشاط ميداني يساعد بدوره على تحريض الآخرين، وكانت الأرقام الفلكية للـ (معجبين) بصفحات المجموعات الناشطة على الفيسبوك تثير شبهات المتخصصين، وبأن وراء الأكمّة ما وراءها!

 يطول المقام في سبر جلّ الأنشطة التي مارستها الإدارة الأميركية وحلفاءها الغربيين في تأجيج الأوضاع، بزعم ان المحرّك الفاعل هو برامج التواصل الاجتماعي، وكان الطوفان الإعلامي الأميركي (مستفيداً من تسارع الأحداث) هادراً وكاسحاً لم يسبق له مثيل، بحيث لم تؤثر الكثير من الحالات المفضوحة للتدخل الإستخباري الأميركي في الأحداث على كشف الحقائق بأحجامها كما هي، لا كما تصوّرها كواليس الـ CIA ومطابخ الموساد، فمثلاً تم القاء القبض في تونس إبان الأحداث على فريق قنّاصة يتزعمه شخص سويدي (تبين فيما بعد انه عنصر مجند للـ CIA) وبحوزته معدات مجهزة بأحدث تقنيات القنص، وزعم في تحقيق أولى أنه جاء الى تونس في تلك الأجواء (لصيد الخنازير البرية)! ورافقت الواقعة حادثة إلقاء القبض على أشخاص يحملون جوازات إسرائيلية، كانوا مرابطين في ميدان التحرير أثناء أحداث القاهرة الدامية قبل أيام من سقوط نظام مبارك! والأنكى ان الأحداث كشفت فيما بعد أن التواطؤ الأميركي كان يرمي الى تمكين الإخوان الشياطين في التفرد بإمساك زمام الأمور وحكم مصر.

نعم، ان تقييم تلك الأحداث الكبيرة كان ولا زال محط اختلاف كبير بين المتابعين، ولكن الكثير من الأسئلة المدببة كانت ولا زالت حاضرة بقوة في الأحداث التي تَمور بها منطقتنا حالياً، من هذه الأسئلة، لماذا لم نشهد دوراً أسطورياً للفيسبوك في مناطق ملتهبة كثيرة من العالم، فيها حركات تحرر وحركات شعبية لها وزنها، مثلما لم نشهد هذا الدور في تحركات شعبية تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي بكثافة ومنذ انطلاقتها، كالذي يجري في البحرين والأردن والسعودية وتركيا، كما ينبغي طرح سؤال موازٍ، لماذا لم يستطع الإخوان الشياطين أن يستثمروا أسطورية الفيسبوك في إرجاعهم الى السلطة ودحر مناوئيهم، وهم من كانوا أساساً (نشطاء فاعلين) في فضاء الانترنت قبل أحداث 25 يناير2011 ولا زالوا، خصوصاً وأنهم يمتلكون قنوات فضائية ووسائل إعلام كثيرة يمكن استثمارها؟ فهل وصفة ثورة الفيسبوك أصبحت منتهية الصلاحية أميركياً، والفوضى الخلاّقة بحاجة الى قوى لها مواقع على الأرض أولاً، كالدواعش وقطعانهم والجماعات التي تحالفهم؟ أم آمنت أميركا بأن (من جرّب المجرّب، حلّت به الندامة) كما يقول المثل، أعتقد شخصيّاً بأن شرفاء الشعب المصري قد نبذوا الإخوان، ولن تنفع لعودتهم وصفة الفيسبوك، حتى لو انتمى مؤسس الفيسبوك (مارك زوكربيرج) لتنظيم الإخوان ذاته!

* * *

لم يعد خافياً ان التنظيمات الإرهابية المتطرفة كالقاعدة وداعش يولون أهمية كبيرة ومتنامية للاستفادة من فضاء الانترنت، وتتعدد وجوه هذه الاستفادة، وأخطرها بالطبع تجنيد الأتباع، واستدراج المظللين من كل الأصقاع، الى مواقع النزاع، كاستثمار لعولمة الانترنت، وهذا الجهد تواكبه جهود أخرى على الأرض في بلدان متفرقة من العالم، وخصوصاً جهود التعبئة لهذه التنظيمات، التي تنشط بصورة شبه علنية في بلدان الاغتراب، من خلال المساجد والأندية الاسلامية والثقافية، ومؤسسات (العمل الخيري) وواجهات أخرى متشعبة، يعتبرها خبراء مكافحة الارهاب تسهيلات مسكوت عنها، حسب وصفة (غضّ الطرف).

يسّهل فضاء الأنترنت للإرهابين التكفيريين عمليات التواصل بين التنظيمات وأتباعها، كما يسهّل سرعة نشر البيانات والأخبار الموّجهة، لأهمية دورها في صنع رأي عام مناصر، ومستعد لتبني توجهات تلك التنظيمات، كما يدعم إيصال الرسائل المشفرة بين المجاميع والخلايا، وبالطبع سيكون هذا الجهد متوارياً عن أعين الحكومات، ويستخدم (السبل الكفيلة) للإفلات من القبضة الالكترونية للحكومات المناوئة! والملفت ان هذه الجهود تتواصل بعدة لغات حيّة، مما يسهّل انتشار هذه التنظيمات ويجعلها (عالمية)، وهي في هذه الجزئية بالذات (غير منفصلة) عن الواقع في متابعاتها، كما هي خارج نطاق الانترنت.

وهنا لابد من الإشارة الى ان الكثير من الأنشطة الإعلامية ومساعي تظليل أجهزة الرقابة، والإفلات من (الشرطة الالكترونية)، بما فيها المحافظة على السرية والتشفير العالي، لا يتم دون وجود خبرات منظمة لها تجارب طويلة في هذا المضمار. وقبال ذلك لا مجال للتغاضي عن ان تسهيلات فضاء الانترنت لا تقل عن التسهيلات اللوجستية التي تتمتع بها التنظيمات الإرهابية، مثلما أثبتت ذلك وقائع نكبة الموصل وما تلتها، فعربات الدفع الرباعي (بالمئات وحديثة)، وأجهزة الاتصال ذات التقنية المتطورة (تحتكرها الحكومات)، والعتاد الحديث المهرّب، والإحداثيات الدقيقة (يُروجون ان لهم عملاء يزودوهم بها، لزعزعة الثقة في القوات المسلحة)، كل ذلك مجتمعاً وغيره كثير، يفضي الى حقيقة مؤداها، بأن هذا الزخم من الدعم والتسهيلات لا تنهض به سوى قدرات لحكومات متواطئة ومتعاونة، أبرزها محور الارهاب في المنطقة، والتي تحيط ثلاث دول منه بالعراق، وهي تركيا والاردن والسعودية، أما قطر واسرائيل المكملان للمحور، فدعمهما غير خافٍ على المتابعين! 

يزعم مسؤولو دوائر مكافحة الجرائم الالكترونية في الدول الغربية، بأنه من (العسير) اقتفاء أثر الأنشطة الالكترونية للتنظيمات الإرهابية على فضاء النت، وبالتالي يجعل مهمة تضييق الخناق على مثل هذه الأنشطة عملية شاقة!

ويحتار المرء في هضم مثل هذه الادعاءات لو كان غير ملمّاً بتقنيات الانترنت، ولكنها -الادعاءات- ستكون مادة للاستهزاء عندما يصل الأمر الى الخبراء والمتخصصين بتقنيات النت، وهو كلام يُرّد عليه وبالأدلة اذا استدعى الأمر، ولكن في ذات الوقت، يوّلد الزعم المشار اليه من المسؤولين عدة أسئلة ذات صلة، منها، اذا كانت داعش تمتلك كل هذه التقنيات التي تجعلها تجتاز وتتغلب على التدابير الأمنية الإلكترونية في عالم الانترنت، وتمارس نشاطها الإرهابي بشقه الالكتروني بكل يُسر، ألا يدّل ذلك على انها تمتلك تقنيات أكثر تقدماً من دوائر المكافحة تلك؟ وهل هذا يعني انها بهذا التطور التقني، بحيث يعجز جهابذة التقنيات عن مجاراتها؟ هل يحاول أولئك المسؤولين توجيه أنظار المتابعين الى خلق أسطورة (غير فيسبوكية) أنترنتية جديدة تمهيداً الى أحداث أكبر؟ ولم نسمع أي تفسير مقنع من المسؤولين ذاتهم عن ماهية التناقض المفزع في الحقائق على الأرض، فنحن نشهد في الواقع بأن الدواعش غارقون في السطحية، ومتخلفون بحيث ينقادون باستسلام بهيمي، وبطاعة عمياء الى تخرصات (مشايخهم)، الذي يتنطعون ببعض الأحاديث المشوهة وغير المقنعة، والمنفصلة عن الواقع بإسم الإسلام، لينوموا قطعان الدواعش مغناطيسياً ويرسلوهم الى التهلكة. فمن يتعبد بفتاوى من عيار حرمة وضع الخيار جنب الطماطم، أو حِليّة توسيع دبر (المجاهد) الانتحاري عبر لواط أخيه (المجاهد) به من أجل إخفاء المتفجرات، لا يمكن ان ينتج هذه الانقياد والتعبّد أناساً أصحّاء، يمكن أن يستخدموا عقولهم ليتغلبوا على كل تقنيات الأساليب المتطورة لدوائر مكافحة الجريمة الالكترونية، ويصولوا ويجولوا في خضم أثير عولمة الانترنت، وينشروا أوبئتهم الفتاكة بلا مزاحمة أو اعتراض ولو من حاجز لشرطي الكتروني واحد!

يبدو ان من العسير التسليم بأن كل القدرات والامكانات الأميركية بجبروتها العلمي، والتي استطاعت أن تتغلب على كل حواجز مكافحة التجسس الالكتروني (عبر الانترنت) في أنظمة غربية متطورة، وتجسست على ملايين المواطنين وحكومات تلك الدول، تعجز حينما يصل الأمر الى مكافحة هواة الكترونيين من داعش او القاعدة او المنظمات الإرهابية (اذا صدّقنا انهم يمارسون ذلك باكتفائهم الذاتي)!

لقد سرّب ادوارد سنودن فيما سرّب مؤخراً، التعاون الإستخباري بين البريطانيين والأميركيين، وتطبيق خطة قديمة تدعى "عش الدبابير"، ومؤدّاها تجميع الدبابير على قفير عسل مصطنع ليسهل التعامل معهم، ويبدو ان الأميركيين يسوّقون هذا التبني لعش الدبابير للرد على إشكالية (غضّ الطرف)، وعدم التصدي لأنشطة المنظمات الإرهابية التكفيرية في فضاء النت، بزعم ان ذلك فصل من فصول (الحرب على الارهاب)، اذ يمكن عبره كشف ارتباطات الإرهابيين، وخلاياهم، وأنشطتهم التنظيمية، ونشطائهم، واعتراض شفراتهم! وهذا لعمري عذر أقبح من الذنب، وذريعة تحمل بذور تهافتها، اذ كيف يمكن إتاحة كل هذه (التسهيلات) للإرهابيين، الذين يستثمرنها في أبشع صورها، وعلى أقل تقدير يستثمرونها في تجنيد الأتباع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر المنتديات الحوارية، ويبثون باقي سمومهم بزخم غير مسبوق، ثم على العقلاء أن يقتنعوا بأن تكنيك الأميركيين يمكن أن يحُدّ من ذلك؟ أم ان أميركا وحلفائها يستهينون بذلك الاستثمار الإرهابي؟ حسناً، يمكن للمرء إنعاش ذاكرة أميركا، وأنها من قاتلت في سبيل إقناع العالم بأن ما حصل في مصر إبان أحداث يناير 2011 كان بزعامة فيسبوكية، سلّمت بعده البلاد الى الإخوان الشياطين، وان الاميركيين حاولوا إقناع العالم، بأنه يمكن إسقاط نظام دكتاتوري عبر أنشطة برامج التواصل الاجتماعي، وبواسطة (زعماء) فيسبوكيين  بدون كل الدعم الأميركي والتجييش الإعلامي مع إعلام الناتو، وبدون كل الدسائس وشراء الذمم والتواطؤ مع الإخوان الشياطين! فلماذا باء الانترنت تجّر في ذلك المثال، ولا تجّر تلك الباء حينما يأتي دور التحذير من الارهاب الانترنيتي كمنصة يستثمرها الدواعش وباقي الفصائل؟

* * *

بعد ترويج أسطورة الفيسبوك في صنع أحداث الربيع العربي، لجأت أميركا في المرحلة الحالية واستحقاقاتها، الى تغيير تكتيكي في بنية تسويقها لطبختها الشرق الأوسطية، اذ ليس بالفيسبوك وحده تتحقق الفوضى الخلاّقة، فلا بد من تغيير في الواقع على الأرض، وإعادة رسم حدود سايكس - بيكو، ومن ثم لا بد من (خلافة) داعشية تستطيع أن تستنبت أكثر من خلافة في العالم الاسلامي، ما دامت الخرائط القديمة قد باتت غير مقدسة في العقيدة الأميركية وفوضتها الخلاّقة، بل (المقدس) طحن أضلاع العالم الاسلامي، وتسهيل عمل التكفيرين آكلي لحوم البشر، العابرين لحدود الفضاء السايبري، أو حدود دول محور الارهاب، المتواصلة في الدعم اللوجستي، ومنه عربات الدفع الرباعي التي يعشقها أتباع الخليفة الداعشي! 

محرر الموقع : 2014 - 07 - 29