الآثار العراقية.. سفارات الحضارة الأعرق إلى العالم
    

تعد الآثار العراقية الزاخرة شواهد على مسيرة الحضارة الإنسانية عبر التاريخ وهي دليل لا يقبل النقاش أن بلاد الرافدين شهدت ولادة التاريخ الإنساني وفنونه المتعددة ومنها انطلقت رسائل الحضارة لتلف أصقاع الأرض بجهاتها الأربع.

نور الحضارة الأنصع انطلق من بلاد الرافدين وأضاء الدنيا عبر حقب التاريخ وما مر على هذه البلاد من نكبات ونكسات لم يفل مضاء حضارتها وأثرها فها هي تستعيد ما أعارته لبريطانيا العظمى من قطع أثرية لتستفيد الأخيرة من دراسة تاريخ تفتقده وعوالم غير موجودة في تاريخ محدث هش رغم سطوتها في القرون القلية الماضية والتي لم تغب الشمس عن أرضها ورغم ذلك استعانت بالعراق لكشف سبل الحضارة المفقودة لديها.

العراق يضم بين أضلعه الشاهد الثوري في حينها بابل، التي اشتهرت بحدائقها المعلقة وهي واحدة من عجائب الدنيا السبع قديماً، كما ضم الحضارة السومرية، التي منحت للعالم، الخط المسماري أول أشكال الكتابة الغربية قبل الميلاد بنحو 3100 عام.

استعادة الآثار العراقية

6آلاف قطعة أثرية تمت استعادتها من بريطانيا معارة إليها منذ قرن من الزمن وهذا يدعو إلى الاهتمام بنبع الحضارة

وإيلاء المواقع الأثرية كل الرعاية لتتحول إلى مناطق جذب للسياحة داخلياً وخارجياً، للتعرف على تلك الكنوز التاريخية وهو ما سيساهم في تنشيط القطاع الاقتصادي للبلاد.

وأعلن الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في كلمة خلال احتفال جرى في مطار بغداد الدولي الثلاثاء الماضي لدى عودته من لندن مستصحباً معه 6 آلاف قطعة أثرية معارة الى المملكة المتحدة قبل مائة عام، أن “هذه القطع تعود لمراحل مختلفة من تاريخ حضارات العراق”.

وأضاف، أن “إعادة هذه القطع الأثرية من المملكة المتحدة تعد ثاني أكبر عملية استرداد للآثار عبر تاريخ العراق”.

مؤكداً أنها “تجسّد الحرص على حماية الإرث الحضاري الذي يمثل الهوية الوطنية، والذاكرة التاريخية والحضارية للبلد ودلالاتها الإنسانية الكبيرة”.

ومنذ 2008 أعادت الولايات المتحدة أكثر من 1200 قطعة إلى العراق الذي تعرضت ممتلكاته الثقافية ومتاحفه إلى النهب بعد عام 2003.

ملحمة جلجامش السومرية

ومن بين القطع المفقودة التي وافقت الولايات المتحدة على إعادتها لوح أثري مصنوع من الطين مكتوب عليه باللغة المسمارية جزء من “ملحمة جلجامش” السومرية التي تُعد أحد أقدم الأعمال الأدبية للبشرية.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، ذكر في وقت سابق، أن الدبلوماسية العراقية نجحت في إعادة 34502 قطعة أثرية منذ العام 2019 وحتى الآن من دول الولايات المتحدة وبريطانيا وكوريا الجنوبية واسبانيا ولبنان ومدن بيرن وطوكيو ولاهاي وبرلين وروما.

إعادة الإرث الثقافي والحضاري

نشاط عراقي محموم في الأوان الأخيرة لإعادة جمع الأوليات لملفات الإعارة الأثرية لغرض الدراسة والصيانة والترميم، من خلال مخاطبة متاحف ومؤسسات ودول كانت هناك إعارة معها بهدف استرجاعها، بحسب رئيس هيئة الآثار والتراث د.ليث مجيد حسين.

مؤكداً “وجود تجاوب مع تلك الجهات لإعادة حفظ جميع القطع الأثرية في المتحف العراقي”.

وكانت وزارة الخارجية العراقية، دعت الثلاثاء الماضي، إلى تعاون دولي لاستعادة الآثار العراقية المهربة وإيقاف المتاجرة غير المشروعة بها.

وقالت الوزارة في بيان ، “نتطلع إلى تعاون جميع الدول والمؤسسات والمنظمات الدوليَّة مع الجُهُود العراقيَّة لاستعادة كل قطعة آثار أخرجت من العراق بطريق غير شرعيَّة، وإيقاف المتاجرة غير المشروعة بها”.

وأكدت، أنَّ “الحكومة العراقيَّة كانت ولا زالت تحشد كل قدراتها لاستعادة قطع آثار الحضارة العراقيَّة التي جرى نهبها وإخراجها في مُختلِف الأزمان، ولن نذخر جهداً لملاحقة أي قطعة حول العالم، لأنها جزء من ميراث الشعب العراقيّ وثروته الثقافيَّة، ونتاجه الحضاري المشرّف”

وعن الآثار المسروقة يشير حسين ، إلى أن “قسما منها تمت استعادته والآخر ما يزال مجهول المصير، ثم أن هناك آثارا تخرج من خلال النبش العشوائي لسراق الآثار، وهذه ليس فيها إحصائية لكونها غير مسجلة لدى هيئة الآثار والتراث”.

إهمال الآثار العراقية

وتعاني المواقع الأثرية في العراق “الإهمال والعبث السرقة”، وتتحول من مناطق لجذب السياح، إلى مناطق متروكة طاردة لهم، ما يعني خسارة ثقافية واقتصادية للبلاد، “ولا يقتصر الإهمال وقلّة التنقيب على واقع الآثار في العراق، وإنما هناك عوامل بيئية أخرى تطال هذه الآثار”.

وفق أستاذ تاريخ الفن القديم في الجامعة المستنصرية، د. محمد العبيدي.

وعن العوامل البيئية يوضح العبيدي في تصريحات صحفية أن “هذه الشواخص الأثرية والمباني القديمة قد تتعرض بسبب ارتفاع تركيز الأملاح في التربة والعواصف الرملية المتكررة إلى التآكل، فتغيب عنا أسرار هذه المدن، ما يستدعي من الحكومة دعم المؤسسات المعنية بهذا الموضوع لتلافي مثل هكذا مشكلات”.

بدورها تشدد الناشطة انعام الحمداني، على “ضرورة الاهتمام بالمواقع السياحية والأثرية لتنشيط الاقتصاد من خلال توفير أماكن راحة للسواح الأجانب القادمين من دول مختلفة إلى عموم المحافظات العراقية”.

وتدعو الحمداني “وزارة السياحة، إلى التنسيق مع الشركات السياحية لنقل السواح إلى المناطق الأثرية وتهيئة المرافق السياحية المناسبة لهم”.

تلك الآثار الثمينة تعرضت بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 لأكبر سرقة في التاريخ، حيث تم تهريب آلاف القطع منها خارج البلاد من قبل عصابات متخصصة.

سرقة 15 ألف قطعة أثرية عراقية

ووفقا للإحصاءات الرسمية، فقد سرقت أكثر من 15000 قطعة أثرية من الكنوز العراقية التي تعود للعصر الحجري والعصور البابلية والآشورية والإسلامية، من المتحف الوطني العراقي في بغداد لوحده بعد الاحتلال الأميركي.

فضلاً عن آلاف القطع التي سرقت من المتاحف في بقية المحافظات والمواقع الأثرية المنتشرة بمدن البلاد المختلفة نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في تلك المدّة.

عقوبة التهريب

وعن عقوبة تهري الآثار فقد أوصل قانون تهريب الآثار الجديد “عقوبة المُتاجرة بالآثار إلى الإعدام، في حال كانت الدوافع لها إرهابية، أو كانت بالتنسيق مع إرهابيين”، وفق الخبير القانوني علي التميمي.

ويضيف التميمي في تصريحات صحفية: “حتى لو كان التنسيق عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فكل من يشارك في العملية يدخل في خانة الإرهاب وتهريب الآثار وفق المواد 47 و48 و49 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 69، ما يستوجب مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي والمطارات والمنافذ الحدودية”.

وتضرر التراث العراقي فعلًا من جرّاءِ غياب القانون وعمليات السلب التي أعقبت الاحتلال الأميركي، ليزداد الوضع سوءاً بعد سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من الأراضي العراقية عام 2014، بما في ذلك مواقع أثرية.

وقال مسؤولون عراقيون وغربيون في حينها إن قطعاً أثرية عراقية تُعرض في السوق السوداء، وإن مسلحي داعش يستعينون بوسطاء لبيع كنوز لا تقدر بثمن بعد اجتياحهم شمال البلاد.

وحضارة بلاد الرافدين من أقدم الحضارات وجعلها موقعها بين نهري دجلة والفرات من أغنى مراكز الزراعة والتجارة ونقطة التقاء للحضارات.

لا يزال أمام العراق مهمة شاقة لتعقب آثاره في المزادات والأسواق السوداء، وخوض عشرات النزاعات القضائية لاستردادها، لكن بغداد تعول على تفاهمات مع حكومات البلدان التي هربت إليها القطع الأثرية.

المصادر: مواقع ووسائل إعلام عراقية وعربية

محرر الموقع : 2023 - 05 - 12