الصفقات السياسية وثوابت الثورة
    


تجربة السنوات الثلاث الاخيرة اوسع مما يتصور الكثيرون، فهي ليست حراكات سياسية واحتجاجات مجردة عن تجارب الاجيال التي تحركت من قبل واخمدت ثوراتها، بل يمكن اعتبارها تأسيسا لحزمة من المباديء والقيم والثوابت التي نقشت في تاريخ البلاد بدماء الشهداء وتضحيات الآلاف من السجناء وضحايا التعذيب والقمع السلطوي. الخليفيون يعتقدون ان لهم اليد الطولى بعد ان مارسوا القمع بابشع صوره بدعم خليجي وغربي، وانهم اصبحوا هم الذين يرسمون خريطة الطريق لوضع يستعيدون فيه موقع الصدارة والقرار ضمن صفقة  سياسية من نوع ما. وما ابعدهم في تصورهم هذا من الصواب. فلم تعد المسألة اليوم خاضعة للمساومات بين طرفين، وان بدا احدهما اطول باعا من ناحية القوة المادية، بل يمكن القول ان الارادة الشعبية التي خرجت من قمقمها لن تعود مرة اليه، بل ستبقى في الميادين حتى تطهر البلاد من عقود من الدنس والعهر السياسي والانحطاط الاخلاقي الذي لم يسبق له مثيل.

في الشهر الماضي أقدم الديكتاتور وعصابته على طرد المبعوث الامريكي، توم مالينوسكي، مساعد وزير الخارجية لحقوق الانسان والديمقراطية والعمل بعد ان التقى مع جمعية الوفاق. وتوقع الكثيرون ان يكون رد الفعل الامريكي غاضبا جدا، فكيف تسمح هذه القوة الكبرى بان يتمرد احد عبيدها عليها ويتخذ قرارا يبدو فيه شيء من التحدي لامريكا؟ وفي غياب اي موقف امريكي معلن اصبح الكثيرون يتحدثون عن طبخة سياسية تعدها واشنطن مع بعض حلفائها في الخليج خصوصا السعودية، تحفظ الحكم الخليفي وتمنع سقوط النظام التوارثي. ولم ينضح شيء حول ذلك يعمق الشعور بصفقة ما، ولكن ما قالته يوم الثلاثاء 26 اغسطس، الناطقة باسم وزارة الخارجية الامريكية، لفت الانظار الى الطبخة التي هي قيد الاعداد. فعندما سئلت عن غياب موقف امريكي بعد طرد مالينوسكي، قالت انه (مالينوسكي) تلقى دعوة من الخليفيين ولكنها لا تعرف تفصيلات الزيارة المزمعة. واذا اخذ بعين الاعتبار وجود رغبة انجلو – امريكية في إنجاح الانتخابات التي يعتزم الطاغية اجراءها في الخريف المقبل، ومن خلال بعض الاشارات التي تنطلق هنا وهناك حول عروض خليفية على بعض اطراف المعارضة، يتضح حقا ان ثمة طبخة سياسية يتم اعدادها بعيدا عن الانظار، قد تشمل اجبار بعض قطاعات المعارضة على المشاركة في المهرجان الانتخابي المزمع اقامته لاظهار الطاغية وعصابته منتصرين على شعب البحرين. ويمكن هنا عرض بعض ملامح ما هو مطروح:

اولا: اجراء الانتخابات المزمعة في وقت ما من الخريف، بمشاركة من بعض المجموعات السياسية بشكل مباشر او ممثلة بافراد يبدون مستقلين عنها، وقد ترددت اسماء هامشية تعكس شخصيات اصحابها انتهازية رخيصة.

ثانيا: يتم تعديل الدوائر الانتخابية بشكل يكرس في واقعه الهيمنة الخليفية وان كان في ظاهره يوفر "انصاقا" للاكثرية الساحقة التي يتمتع بها السكان البحرانيون الاصليون.

ثالثا: تعطى لبعض اطراف المعارضة حقائب وزارية غير سيادية، مع احتفاظ الخليفيين بالسكين الحاد التي قطعوا بها اجساد الشعب، كالداخلية والدفاع والعدل والقضاء، مع ابقاء الجيش والشرطة  والامن والاعلام بايدي الخليفيين.

رابعا: إسقاط الطاغية خليفة بن سلمان، والتضحية به كبش فداء بشكل يوفر للاطراف التي تقبل بالمشاركة مادة اعلامية تظهرها "منتصرة" لانها حققت مطلب اسقاط رئيس الوزراء.

رابعا: يبقى الطاغية الحالي متربعا على الكرسي ومعه فريقه الطائفي الذي مزق الشعب واضعف المعارضة بتقسيمها وفق خطوط الانتماء المذهبي. وقد تشمل الصفقة تنازله عن الحكم بعد الانتخابات لصالح نجله الذي يعرفه المواطنون باسم "شيخ بحر" الذي كان طوال الخط شريكا في النهب والسلب والاستحواذ على المال العام واراضي الشعب البرية والبحرية بدون حق.

خامسا: يطلق سراح اغلب السجناء السياسيين على مراحل لتتكرر مشاهد الابتهاج المصطنعة على غرار ما حدث في 2001، وان بمستوى أقل.

سادسا: اطلاق قادة الشعب ليس امرا محسوما، بل يعتمد على مواقفهم ونظرتهم لاية صفقة مزمعة، وما اذا تخلوا عن مطلب اسقاط النظام، وقد يطلق بعضهم ويبقى الآخرون رهن الاعتقال.

هذه ملامح المشروع الامريكي للتسوية الهادفة لابقاء الحكم الخليفي وكسر شوكة الثورة والشعب. وقد أشار بعض السياسيين الى عروض طرحها الخليفيون على بعض الجهات السياسية المعارضة تشمل توزيع المناصب الوزارية بين اطراف ثلاثة وفق محاصصة متميزة باطراف ثلاثة: الخليفيون والشيعة والسنة.

وكما ذكرنا فثمة ثوابت لدى القوى الثورية والشعبية لن يستطيع احد تجاوزها، منها ما يلي:
اولا: ان مستقبل البلاد يجب ان لا يكون كماضيها، وذلك لن يتحقق الا بالتخلص من الحكم الخليفي الذي يعتبر وجوده مناقضا لقيم العصر ومباديء الحرية وحق تقرير المصير. هذا المستقبل سيكون نسخة من الماضي بمرارته وآلامه اذا ما بقي الخليفيون في الحكم خصوصا مع بقاء الطاغية وعصابته.

ثانيا: الشعب هتف باصوات ابنائه ونسائه كل يوم وليلة: الشعب يريد اسقاط النظام، واعقب ذلك بهتاف "يسقط حمد، يسقط حمد"، وهذا يعني ان الشعب وصل نقطة اللاعودة في مطالبته بسقوط الحكم الخليفي وعلى رأسه الديكتاتور الحالي الذي يعتبر المسؤول الاول عن كافة  الجرائم التي ارتكبت بحق شعب البحرين، ومنها التجنيس السياسي للاجانب وسحب جنسية ابناء الوطن.

ثالثا: ان الشعب يريد اسقاط النظام، من جهة، ومن جهة اخرى يصر على كتابة دستوره بيديه بعيدا عن املاءات العصابة الخليفية. كما ان هذا الشعب يطالب بحق تقرير مصيره بعد ان اثبتت السنوات والعقود ان الخليفيين ليس لهم عهد او ذمة، كما انهما انسلخوا من الدين والاخلاق حين هدموا المساجد وهتكوا اعراض النساء وقتلوا النفوس البريئة.

رابعا: ان الشعب الذي ضحى بأعز ما يملك لا يقبل بالعودة الى المنازل والصمت على ممارسات النظام، فتلك حقبة قد مضت ولن يستطيع احد اعادة احيائهاز

رابعا: ان الشعب يخطط لبناء مستقبل مختلف جملة وتفصيلا عن الماضي المظلم الذي عاشه عقودا، وانه تمرد على املاءات العصابة الخليفية ولن يقبل بها حاكمة عليه او متحكمة فيه. انه لن يسلم رقبته مرة اخرى لها، مهما كانت الظروف. وقد قرر التحلي بالصبر حقبة بعد ان ادرك ان اية صفقة معها ستعيد لها الحياة وسيكون ذلك من اكبر الاخطاء والاجرام بحق الشعب والوطن.

خامسا: الشعب يشعر اليوم اكثر من اي وقت مضى انه منصور بعون الله تعالى، حسب الوعد الالهي، وان مطالب بالصبر والصلاة والتقوى كشروط للنصر، وان داعمي العصابة الخليفية يعانون، انفسهم، من العزلة وسوء الطالع وحتمية  السقوط والتغيير في بلادهم بما ينهي حكمهم الى ا لابد.

واخيرا فليس هناك، بعد تجربة الاعوام الثلاثة الماضية التي هدمت فيها المساجد وهتكت الاعراض وقتلت النفوس المحترمة ومورس التعذيب بابشع اشكاله وسحبت جنسيات المواطنين ومنحت للاجانب ضمن مشروع الابادة، مجال للعيش مجددا في ظل الحكم الاستبدادي الذي ارتكب الجرائم بدون خشية او ضمير. هذا هو موقف الشعب الثائر ولن يرضى بشيء آخر مهما كلفه اصراره على ذلك. وسيكون الله معه وهو ناصره ومعينه.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية

محرر الموقع : 2014 - 09 - 01