عراقيون على حدود بيلاروسيا.. ضرب وصعق وتجويع
    
 لا يزال آلاف المهاجرين، معظمهم من العراقيين الأكراد من اقليم كردستان، يحتشدون منذ أيام طويلة في أجواء جليدية عند الحدود بين بولندا وبيلاروسيا على أبواب الاتحاد الأوروبي، وذلك في وقت تقول فيه منظمة إنسانية إن عناصرها يعملون في الخفاء من أجل مساعدة أولئك الذين تقطعت بهم السبل ويعانون نقصا في الغذاء والدواء.

 وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد رصدت في تقرير خاص بعض معالم سوء المعاملة "القاسية والمروعة" التي تعرض لها بعض المهاجرين العراقيين في بيلاروسيا، ومنهم، هاجير، البالغ من العمر 37 عاما، والذي قال في اتصال مرئي إن تعرضه لضرب المبرح عندما جرى إعادته إلى ليتوانيا بعد تمكنه من دخول بيلاروسيا.
 
وأشار إلى شرطة ليتوانيا استدعت فرقا من قوات الكوماندوز الذين، اصطحبوه مع مجموعة من زملائه إلى مكان بعيد عن الأعين قبل أن يعتدوا عليهم بالضرب المبرح بالعصي الغليظة والأسواط البلاستيكية والصواعق الكهربائية، مما ترك على أجسادهم كدمات وعلامات اعتداء واضحة للعيان.

وتابع هاجير حديثه باللغة الكردية: "أخبرونا بأنه ليس لنا أي حق بالقدوم إلى بلادهم، لأننا نجعلها قذرة بحسب كلامهم".

وأردف: "عناصر قوات الكوماندوز كانوا يرتدون ملابس سوداء وأقنعة تخفي وجوههم، وقد سلبونا هواتفهم قبل أن يحذرونا من العودة مرة أخرى للحدود قائلين بأن صورنا أصبحت مطبوعة في ذاكرتهم وبالتالي فإن العقاب في المرة القادمة سوف يكون أشد وقعا".

"حتى لو كان الثمن حياتي"
وأشار هاجير، الذي رفض ذكر اسمه كاملا، خوفا من تعرضه للمساءلة في بيلاروسيا وليتوانيا، إلى أنه عاد إلى بيلاروسيا مرة أخرى، وذهب إلى نزل متواضع للغاية يتقاضى في اليوم 100 دولار من أي مهاجر غير شرعي يقيم فيه، نظير عدم الإبلاغ عنه.

وأوضح أنه كان خائفا من عبور الحدود مرة أخرى، ولكنه اضطر لفعل ذلك خاصة وأنه أنفق 6 آلاف دولار خلال رحلته عبر الحدود من تركيا إلى بيلاروسيا، ومؤكدا أنه لا يستطيع العودة إلى إقليم كردستان العراق لأن حياته معرضة للخطر جراء خلافات عائلية وقبلية هناك.

ولفت إلى أنه أب مطلق، ويحلم بالوصول إلى بريطانيا للعمل هناك وإرسال بعض المال لإعالة والدته المريضة وابنه البالغ من العمر 14 عاما، مضيفا: "سأعبر إلى أوروبا حتى لو كان الثمن حياتي".

أما سيروان، فهو صحفي ذهب إلى بيلاروسيا، حيث اعترضه ضباط الشرطة هناك وضربوه أثناء ترحيله.

وقال لصحيفة "نيويورك تايمز": "كانوا يضربوني حتى وأنا أصعد درج الطائرة، انتقاما مني لأني كنت أبث تقارير حية عن أوضاع المهاجرين هناك".

وأوضح سيروان، 29 سنة، أنه كان قد قرر مغادرة كردستان عقب تلقيه تهديدات بسبب عمله الإعلامي هناك، وأنه كان يخطط لتقديم طلب لجوء في بيلاروسيا، مردفا: "ولكن بدلاً من الإنصات إلى قصتي وظروفي، عمدت السلطات إلى ترحيلي إلى سوريا، حيث احتجزتني الشرطة هناك 4 أيام قبل السماح لي بالعودة إلى العراق".

وتابع: "بيلاروسيا وبولندا وليتوانيا يتلاعبون بالمهاجرين هناك، والسلطات تتسلى بنقلهم من مكان إلى آخر ناهيك عن ضربهم وسرقة أموالهم وهواتفهم".

"المساعدة في الخفاء"

من جانب آخر، قال نشطاء في منظمة إنسانية بولندية تعنى بشؤون اللاجئين والمهاجرين إنهم يضطرون إلى العمل بالسر وبشكل خفي في غابات بلادهم على الحدود مع بيلاروسيا لمساعدة أناس ضعفاء تقطعت بهم السبل وباتوا مهددون بالموت بسبب البرد والجوع والمرض، وفقا لما ذكرت صحيفة "الغارديان".

وقال أحد المتطوعين في منظمة "غروبا غرانيكا" إنهم عثروا مؤخرا على على مجموعة من 15 شخصًا، جميعهم من الأكراد العراقيين، في غابات ناريوكا بعد أن تمكنوا من عبور الحدود من بيلاروسيا إلى بولندا.

وأشار ذلك المتطوع في اتصال مع صحيفة "الغارديان" إلى أنه كان بين المجموعة امرأة مريضة بالكاد تستطيع المشي، فيما كان لدى البعض الآخر علامات مبكرة تدل على انخفاض حرارة الجسم، لافتا إلى أنه في حال وصول الشرطة البولندية قبل الأطباء، فأنه فمن المرجح أن يعيدوا المهاجرين إلى بيلاروسيا وسط مخاوف من أن تتدهور حالتهم الصحية".

وكان 8 أشخاص على الأقل قد لقيوا مصرعهم منذ بداية الأزمة الإنسانية والسياسية مع بيلاروسيا، المتهمة بالتعمد في إثارة أزمة لاجئين جديدة في أوروبا من خلال تنظيم حركة الأشخاص من الشرق الأوسط إلى مينسك ووعدهم بالمرور الآمن إلى الاتحاد الأوروبي، انتقاما للعقوبات التي فرضتها بروكسل على نظامها.

وقد أوضح المتطوع الشاب في حديثه أنه يعمل حاليا ضمن مجموعة تتألف من 40 شخصا مقسمين على 8 فرق تسعى إلى تقديم بعض الملابس الدافئة والأحذية، بالإضافة إلى شيء من الطعام والدواء إلى أولئك المهاجرين.

وقالت آنا شمييليوسكا، منسقة مركز مساعدة للأجانب في المنظمة، إن العمل في تلك المنطقة الحدودية أمر صعب للغاية خاصة بعض تصنيفها "منطقة عسكرية" ينتشر فيها آلاف العناصر من رجال الشرطة وحرس الحدود.

وتابعت: "يمكن لشرطة الحدود أن تكون عدوانية للغاية معنا رغم أننا لا نفعل أي شيء غير قانوني لكنهم يجعلوننا نشعر كما لو كنا كذلك".

وأضافت: "ينبغي أن تكون مساعدة الناس أمرا طبيعيا وبديهيا، ولكن في حالتنا أضحى بمثابة نشاط سري، وهنا أستطيع القول ليس كل ما هو قانوني أخلاقي" في إشارة إلى القوانين التي فرضتها السلطات البولندية في تلك المنطقة.

محرر الموقع : 2021 - 11 - 11