الجولان السوري المحتل بين مؤامرات الأصيل والوكيل...
    


بقلم: مصطفى قطبي

ثمة غرابة لافتة للنظر في تجاوز الإعلام العربي على نحو يستدعي التندر، تطورات الجبهة السورية الإسرائيلية، بمعنى \'\'جبهة الجولان\'\' التي بقيت مجمدة \'\'على الرف\'\' منذ يونيو 1967 بسبب جدار الخوف من فتح هذه الجبهة، درجة قيام الحكومة الإسرائيلية بكل ما من شأنه ضم هذه الهضبة الاستراتيجية المهمة، أرضاً وشعباً إليها، الأمر الذي يقود المتابع إلى ملاحظة وتحليل نص إطلاق الحكومة السورية أيدي جيشها المرابط هناك للرد على أي استفزاز أو إطلاق نار من الجانب الإسرائيلي أو من قبل أدواته الإرهابية.

الوقائع اليوم على الأرض تسلط المزيد من الأضواء على حقيقة هذا المتغير كأحد إفرازات المؤامرة على سوريا، والذي بدوره يسلط الضوء على أنه بات في سوريا أكثر من جيش لحد موالٍ لكيان الاحتلال الصهيوني ولكن بمسميات متعددة كـ\'\'جبهة النصرة وداعش والجبهة الإسلامية وفيلق الشام...\'\'، وكل هذه الميليشيات أو العصابات الإرهابية تخدم طرفاً واحداً وهو الطرف الأصيل في المؤامرة، كيان الاحتلال الصهيوني سيدها الذي تأتمر بأوامره، والذي تتشابك أياديه القذرة والملطخة بدماء الأبرياء والأحرار والشرفاء في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق ومصر والسودان وغيرها، مع أيادي بقية أيادي العملاء والوكلاء والحلفاء الداعمين للإرهاب من أجل رفع وتيرة التنسيق والإشراف والتنفيذ.

فلم تكن مصادفة عملية العدوان على معبر القنيطرة وعلى الأمم المتحدة والقانون الدولي والقبعات الزرق واستعمالها واستغلالها بإرهاب مدعوم إسرائيلياً في الوقت الذي بدأت ضربات وعمليات الجيش السوري تحقق نتائج باهرة في المليحة وجوبر وحلب والرقة ودير الزور وعلى خلفية تشكيل الحكومة السورية والتعافي المؤسسي الوطني السوري وفي ظل الضبابية والتردد الأوروبي الأمريكي بالالتزام بقرار مجلس الأمن 2170 وحالة الهلع التي تسود في أوروبا وأمريكا والخليج من غول داعش...

فخلف دخان النيران المشتعلة في سوريا يرتب العدو الصهيوني العنصري المحتل لأرض الجولان، والمسيطر على القرار السياسي لبعض العرب، يرتب أوضاعه ويلعب أوراقه ويضع خططه ويعزز قواه وقدراته، وينفذ على الأرض ما يمكن أن نعده استعداداً استراتيجيًّا لإبقاء سوريا قيد التآكل السياسي والصراع الداخلي والفوضى السياسية والأمنية لسنوات قادمات، بعد أن أخفق في جعلها تستسلم وتنفذ ما يريده منها عبر حلفائه وأعوانه وعملائه والموالين له خوفاً من شعوبهم ومن أمتهم، وبعد إخفاق مخططاته ومخططات حلفائه وعلى رأسهم الحليف الأميركي البغيض في السيطرة على سوريا أو تغيير نظامها وتوجهاتها وخياراتها السياسية وثوابتها القومية، أو في تقسيمها جغرافيًّا، وبعد اكتشافه لحقيقة أن الحرب المدمرة التي تشن على سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات لم تنهها ولم تفتت جيشها وأنها ربما زادته قوة في بعض الجوانب العسكرية والتكتيكية والتقنية؟!

وفي إطار الترتيب الصهيوني المشار إليه آنفاً، يأتي مشروع بالغ الخطورة، أعني سعي العدو الصهيوني لإقامة ما يسمى \'\'الجدار الطيب والبحث عن أنطوان لحد سوري يقود جيشاً يحارب سورية بالسوريين والعرب والمسلمين دفاعاً عن إسرائيل أو بالإنابة عنها، كما فعل أنطوان لحد ومن خلفه من ضباط مأجورين في جنوب لبنان\'\'!
إن تاريخ تكوُّن ميليشيا لحد في جنوب لبنان، يعيد ذاته في سوريا حيث بات العالم يشاهد تبلور العلاقة بين كيان الاحتلال الصهيوني وبين العصابات الإرهابية، ذراع إرهابه المطلقة على امتداد الرقعة الجغرافية السورية، وظهور هذه العلاقة إلى العلن، وانكشاف مدى التنسيق القائم بين الطرفين وحجم الدعم الصهيوني المفتوح والمتعدد الأوجه. ومثلما بدأت العلاقة بين كيان الاحتلال الصهيوني وقوى مسيحية لبنانية العام 1975، حين طلبت هذه القوى من تل أبيب المساعدة أثناء الحرب الأهلية التي كانت تعصف بلبنان من رئيس وزراء حكومة الاحتلال آنذاك إسحق رابين الذي استجاب بدوره للطلب.

وعلى مدى الأعوام التي سبقت الاجتياح \'\'الإسرائيلي\'\' للبنان العام 1982م بلغت قيمة المساعدات \'\'الإسرائيلية\'\' لهذه القوى 118 مليون دولار، إضافة إلى تدريب نحو 1300 عنصر من حزب الكتائب في قواعد خاصة داخل كيان الاحتلال الصهيوني...

واليوم نصحو على واقع ملبد بالحقائق والمعطيات التي كانت تجول في سراديب السياسة، وتتراكم في تقارير الإعلام عن حجم العلاقة العضوية القائمة بين كيان الاحتلال الصهيوني والعصابات الإرهابية التي سهَّلت دخول عدد كبير من عملاء الموساد وسائر المخابرات الغربية إلى سوريا.

وقد أعلن المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني عن أن حوالي 1600 عنصر إرهابي من تلك العصابات الإرهابية يتلقون التدريب والعلاج في قواعد تابعة لكيان الاحتلال الصهيوني، فضلا عن المستشفيات الميدانية في أراضي الجولان السوري المحتل لعلاج مصابي تلك العصابات الإرهابية، والظهور اللافت لنتنياهو وهو يزور الإرهابيين المصابين في تلك المستشفيات، وكذلك نزع الألغام من منطقة فصل القوات في الجولان، وتزويد هذه العصابات بالسلاح بمختلف أنواعه وبالمعلومات الاستخبارية، سواء عبر الأرض أو عبر الأقمار الاصطناعية \'\'الإسرائيلية\'\' حول تحركات الجيش العربي السوري، بالإضافة إلى التدخل \'\'الإسرائيلي\'\' بالعدوان المباشر على سوريا بهدف إسناد أذرعه الإرهابية...

وفي نفس السياق، أكد موقع \'\'والاه\'\' الإسرائيلي (بحكم الجغرافيا والتاريخ وموقف النظام السوري لم نستطع تغيير قواعد الاشتباك منذ عام 1974 فلماذا لا نغيّر الجيران). ويبدو أن المسعى الصهيوني في هذا الاتجاه أخذ يحقق تقدماً ولا نقول نجاحاً، لأنه لا يجوز الحكم القطعي على ما لم ينته بعد.

أما القناة الأولى الرسمية في التلفزيون الإسرائيلي فقد قالت أواخر الشهر الماضي نقلاً عن مصادر سياسية وأمنية وصفتها بأنها رفيعة المستوى في تل أبيب، قالت إن صناع القرار في الكيان الإسرائيلي باتوا يُفكرون بصورة جدية للغاية في إقامة منطقة عازلة في الجولان العربي السوري.

ونقلت القناة عن المصادر عينها قولها: إن إسرائيل ترغب في تحسين علاقاتها مع \'\'المعارضة السورية\'\' عبر ما أسمته بالإجراءات الإنسانية في خطوة تؤسس لما هو مشابه جيش لبنان الجنوبي أو \'\'جيش لحد\'\'، والذي كان عبارة عن مليشيات عسكرية تابعة للاحتلال الإسرائيلي.

وقال قائد القيادة الشمالية في جيش الاحتلال الإسرائيلي يائير غولان \'\'إن المقاتلين سيكونون حلفاء إسرائيل الطبيعيين في حالة إقامة تلك المنطقة العازلة\'\'.
ويجب الانتباه والتنبيه، أن ما يجري على هذه الجبهة، أعني الجولان، له أبعاد استراتيجية ينبغي التنبه لمخاطرها المستقبلية على سوريا والسوريين، وعلى الأبعاد الفلسطينية والعربية لقضية فلسطين، القضية المركزية في نضال العرب الحديث.

فإسرائيل تهدف من وراء إقامة \'\'المنطقة العازلة \'\'منع قيام جبهة مقاومة حقيقة في الجولان شبيهة بتلك الموجودة في لبنان لأنها تخشى من قيام هذه الجبهة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مصلحة إسرائيل هي في استمرار استنزاف سورية وهذا الأمر هو \'\'مصلحة إسرائيلية أميركية بالدرجة الأولى\'\'. وهذا يوضح بشكل جلي وواضح حجم المؤامرة على سورية وأطرافها، فهم يريدون قيام نظام في سورية يكون ألعوبة بيد أميركا ودول الخليج للحفاظ على أمن إسرائيل والمطلوب ليس (إسقاط) النظام السياسي وإنما تغيير العقيدة والبوصلة.

فإسرائيل تخشى من الدخول في حرب مع سورية، وكل ما يجري يكشف عن تنسيق أميركي خليجي إسرائيلي تركي لتعديل موازين القوى للضغط على النظام من أجل موضوع التفاوض.

إن كل ذلك يؤسس لما بعده من أحداث ووقائع وصراعات، ولما لا يمكن أن يقوم أو يدوم إلا بتبني الكيان الصهيوني له ودعمه وإدخاله ضمن استراتيجيته، لا نقول إن ذلك سيمكن العدو بالضرورة من نجاحات على الجبهة السورية يتلافى في سبيل الوصول إليها ما حصل له من إخفاقات في جنوب لبنان يوم انهزم جيش لحد على يد المقاومة وانسحب هو بعد ذلك من الجنوب ليتركه محرراً، ولكن ذلك سيمكنه من إنهاك سوريا لمدة أطول، ومن التأسيس لمراحل جديدة من الصراعات العربية ـ العربية، والعربية ـ الإسلامية، والإسلامية ـ الإسلامية تصرف الاهتمام عن احتلاله وتهويده للقدس وفلسطين وتعزيزه لوجوده ونفوذه.

إن الخطاب حول هذا الموضوع المهم ليس موجهاً لسوري دون آخر ممن يحملون هوية الوطن بشرف، وألم الشعب بصدق وينتمون إليه بوعي، ويدافعون عنه بإخلاص، وهو خطاب ليس الغرض منه أن يسترعي الانتباه الرسمي له دون انتباه المعارض السوري الواعي الشريف الذي لم يبع نفسه للشيطان... لأن التعامل مع الكيان الصهيوني والتحالف معه والعمل تحت مظلته بأي حال من الأحوال هو عار مطلق ونقض لشرف السوري ولوطنيته ولعروبته ودينه وقيمه كافة، مسلماً كان أم مسيحياً، وفيه إزراء بكل حزب وكل عشيرة وكل أيديولوجيا وكل توجه يقبله أو يُقبل عليه... لأن ذلك نقض للعادل والإنساني والحقاني أصلاً... ولا نتكلم هنا قطعاً في هذا مع/ أو نتوجه إلى... مَن اختاروا العدو الصهيوني المحتل: \'\'تعاملاً أو تطبيعاً أو تحالفاً سياسياً أو تعاوناً عسكرياً أو... أو...

فهؤلاء اختاروا العدو وخياراته وخرجوا من الخيارات الوطنية ومن الانتماء القومي ليدخلوا في دوائر معروفة مواصفاتها والأحكام عليها... وهي تمتد من العمالة إلى الخيانة... سواء أكان الذين يقومون بها ممن يعملون عسكرياً تحت غطاء الكيان الصهيوني في الجولان اليوم، أو ممن يبشرون بالاعتراف به ويقدمون مبادرات لإعطائه السلم والجولان وفلسطين ويعيشون في كنفه \'\'مدللين ملمَّعين\'\' كاشفين الغطاء عن حقيقة أنفسهم وارتباطاتهم وعن ظهورهم زيفاً بمظهر المناضلين لمدة من الزمن على حساب الوطنية والأخلاق والدين والشعب والأمة والشهداء الذين قضوا على طريق تحرير فلسطين ومقاومة العنصرية الصهيونية والاستعمار الاستيطاني والاستعمار الغربي الحديث، والذين سقطوا في سوريا من الأبرياء ومن المدافعين عنها وعن خياراتها بوصفها الوطن تحت كل الشعارات الصحيحة؟!

وقد تفيد الإشارة هنا إلى أن من دعوا قبل سنوات وسنوات إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني، وقاموا بخطوات على طريق التطبيع معه، سواء منهم فريق غرناطة ومن ناصره، أو تحالف كوبنهاجن، أو من مشوا في موكبي كامب ديفيد ووادي عربة وهللوا لهما، أو من قاموا بالزيارات الشخصية لفلسطين المحتلة، وطباعة الكتب هناك والدعوة إلى ما أسموه \'\'الواقعية الإنهزامية\'\' الآخذة بفرض الأمر الواقع بالقوة على الأمة العربية وأجيالها في الآتي من الزمن متجاهلين الحقيقة ومفاعيل الزمن...

وكذلك من اتهم العربَ المنادين بحقهم في فلسطين وبعروبتها وبحق شعبها في العودة وتقرير المصير فوق أرضه التاريخية... من اتهمهم كتابة وقولاً بأنهم \'\'الصهاينة العرب\'\' بنذالة ومراهقة سياسية يسارية ممجوجة فرُفع من فريق المطبلين والساسة الجهلة مناضلاً ضد العنصرية، ومنح جوائز أو وعد بها، وتحول من لص نصوص إلى مبدع بتلميع الصهاينة ومن يواليهم والجهلة والمتنطعين للمعرفة والأدب والقضايا الوطنية؟!

كل أولئك ارتكب الخطيئة بحق بلده وأمته، وبحق شعب فلسطين وقضيتها العادلة، وبحق الإنسانية ذات القيم السامية، لأنه ناصر العنصرية الصهيونية القذرة والاحتلال والعدوان والإمبريالية التي يزعم أنه يحاربها، ووقف مع الاضطهاد والممارسات الوحشية ضد أشرف المناضلين من الفلسطينيين والعرب، وارتكب أفدح الأخطاء بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين قضى بعضهم في سجون الاحتلال أكثر من ثلاثين سنة، وخرج بعضهم بعد ثلاثين سنة قضاها في السجن العنصري الصهيوني، خرج من السجن إلى المقبرة حيث مات في ظلمات سجون اليهود الذين يحتفي العالم اليوم \'\'بعذاباتهم\'\' التي امتدت في أطول مددها لسنتين على يد النازيين وليس على يد العرب والمسلمين؟

وحقيقة الأمر هي أن الذين دأبوا على شكر \'\'إسرائيل\'\' والتصفيق لها كلما نفذت عدواناً غادراً على سورية، لا يجدون اليوم أي حرج في التنازل لها عن أي شيء مقابل ما يتوهمون من قدرتها على إدخالهم دمشق على ظهور دباباتها... ولكن خسئت كل معارضات الفنادق الفخمة، فلا الجولان العربي السوري الصامد قابل للبيع أو التنازل عن أي ذرة من ترابه الطاهر، ولا اعتداءات \'\'إسرائيل\'\' قادرة على تغيير مصير الادوات الإرهابية المأجورة...

فمعبر القنيطرة سيُطهر، والجيش العربي السوري استطاع على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة أن يواجه جيشاً من الإرهاب كان موحداً بكل فصائله ومسمياته ودواعشه ونصرته وفرقه وشتت شمله وفرّق وزعزع حلف داعميه، وعلى من يريد أن يكافح الإرهاب جاداً وصادقاً أن يعرفه ولن يعرفه إلا بما عرّفته سورية وواجهته وإذا قالت سورية فصدقوها، فعند سورية القول والفعل والمبتدأ والخبر اليقين، سورية كسبت الحرب وأما معركة المعبر المؤقتة فلن تُصرف في تغيير قواعد الاشتباك أو تحقق ما عجز عنه الكيان الإسرائيلي على مدى عقود وحلف العدوان والإرهاب على مدى سنوات، لكنه الآن لعب صبيان في الميدان لكن في الوقت الضائع.

الجولان لن يكون إلا أرضاً عربية سورية، ستعود مهما طال الزمن إلى أصحابها وأهلها الشرعيين، وستبقى سورية تعمل بكل إرادة على استرجاع جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان المحتل مهما كثرت التحديات وعظمت التضحيات. فالأرض الوطنية ستظل أرضاً وطنية ولن تكون إلا كذلك.

محرر الموقع : 2014 - 09 - 21