العراقيون وحلم اللجوء.. بين وعود المهربين الكاذبة والواقع المرير
    

-تَمُرُّ الساعات والأيام على أمل الحصول على حلم اللجوء للأسر المهاجرة العراقية وغير العراقية، سواء كانت في تركيا او في بلد آخر، او الذين هاجروا عن طريق مهربين انخدعوا بوعودهم الكاذبة، واخذوا مبالغ كبيرة منهم لإيصالهم الى البلد الذي يرغبون الذهاب اليه، ولكن هذه الوعود تلاشت ليعلقوا على الحدود الاوروبية ولا يسمح لهم بالدخول لأي بلد اوروبي، وليبقوا في انتظار مصيرهم في الظروف القاسية من برد وجوع وخوف.

الهجرة وأسبابها

منذ تسعينيات القرن الماضي نشطت حركة هجرة العراقيين خارج بلادهم لأسباب كانت بوقتها تتعلق بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلد، ونتائجها الكارثية التي لحقت بجميع الخدمات في البلاد، ثم بعد الاجتياح الاميركي عادت نسبة الهجرة عند العراقيين الى الارتفاع، ومع الوقت تحولت قضية الهجرة إلى مأساة دولية وبات من الصعب على مفوضية اللاجئين والمنظمات المعنية باللجوء قبول طلبات اللجوء مثل السابق، فبدأ العراقيون باختيار وسائل الهجرة غير الشرعية إلى اوروبا، آملين بالوصول إلى أهدافهم.

يأس

وبسبب ارتفاع أعداد المهاجرين قامت الدول بتطبيق سياسات أكثر تشدداً على حدودها لوقف تلك التدفقات، ولذلك وجد العراقيون المهاجرون انفسهم عالقين في الحدود والدول التي كانت بالنسبة لهم محطة على طريق هجرتهم.

خيرو مواطن عراقي هاجر مع زوجته واولاده (3) وبعد عناء وصولهم الى حدود بيلاروسيا علقوا هناك لفترة طويلة، فماتت أحلامهم في الدخول الى بولندا وتكملة رحلة الهجرة، اما زين خلف حسن زوجة خيرو فتحدثت عن رحلتهم القاسية وما تكبدوه من معاناة فبينت أنهم عاشوا 8 سنوات في مخيمات كردستان بعد نزوحهم من سنجار، وبعد يأسهم من حياة النزوح واهمال الحكومة لوضعهم قرروا الهجرة الى المانيا لتأمين مستقبل الأولاد وتوفير حياة افضل، وعملوا على بيع كل ما يملكونه من أثاث منزلي وسيارتهم ليصبح لديهم مبلغ 20 ألف دولار وهو مبلغ تكلفة الرحلة.

جحيم بارد

توجهت أسرة خيرو الى تركيا وامضوا شهراً في انتظار تأشيرة بيلاروسيا، وقاموا بالتخطيط مع مهرب لأخذهم الى هناك، وخلال رحلتهم مروا بغابات وتضاريس معقدة، وعبروا الى بولندا وفي منطقة نائية تركهم المهرب وبقوا أياماً في السيارة بانتظار المصير المجهول، وتابعت زين سرد قصتهم وقالت: “بعد أيام من البقاء في السيارة نفد الطعام والشراب وبدأ الاطفال يتألمون من الجوع والعطش، ثم وصلت الشرطة وارجعتنا الى حدود بيلاروسيا، وبقينا 13 يوماً في هذه المنطقة نعاني من الجوع والبرد والتعب والقلق والخوف”.

ووصفت هذه الأيام بأنها كالجحيم البارد من شدة قساوتها، فضلاً عن استمرار الصقيع والمطر، فلا يوجد سقف يحميهم في العراء، اضافة الى معاملة الحرس الحدودي الشرسة لهم بحيث كانت تتمنى الموت فهو أرحم لحالهم كما ذكرت، واوضحت: وفي نهاية الأمر فقدنا الأمل وكان أمامنا خياران، اما البقاء والموت من الجوع والبرد او الرجوع الى العراق، فقررنا العودة، وكان رجوعنا الى المخيم، ولكن بدون الخيمة التي كانت تأوينا سابقاً،  فلم تكن موجودة واضطررنا الى أن نبقى في خيمة أقاربنا وودعنا حلم تأمين مستقبل أولادنا.

12 يوماً

اما حجي درويش كالو، فهو مواطن ايزيدي هاجر مع أسرته المتكونة من 8 أشخاص ونزحوا من سنجار وبقوا في ملجأ شاريه لمدة 7 سنوات، و كانت أسباب هجرتهم هي عدم الراحة في الملجأ من كل الجوانب، ومن أجل تأمين مستقبل أولادهم فقد جمعوا المال من بيع أغراضهم وذهبوا الى اسطنبول وبقوا فترة هناك للحصول على تأشيرة بيلاروسيا وبعد الحصول عليها خرجوا الى مينسك عاصمة بيلاروسيا، وقد كانت معهم مجموعة من العراقيين المهاجرين ليصبح عددهم 32 شخصاً، واستأجروا عجلة لأخذهم الى الحدود، ووصلوا وعبروا الأسلاك الشائكة مشياً على الاقدام لمدة 4 أيام.

وعند وصولهم الى محطة السيارات لانتظار السيارة كما وعدهم المهرب، تأخرت ولم تأتِ لأخذهم الى المانيا، لتحضر الشرطة البولندية وترجعهم الى الحدود بعد تمضية 12 يوماً قاسياً بلا طعام وشراب وتحمل برد قاسٍ ومطر، فضلا عن معاملة الجيش البيلاروسي الوحشية كما وصفها، والتي لا تختلف عن أساليب داعش، ومن ثم اضطروا الى دفع 1500 دولار لعبور الأسلاك الشائكة.

قرار العودة

وتابع درويش حديثه قائلا “اثناء وجودنا في المينسك جاء قرار الخطوط الجوية العراقية بارجاع العراقيين الراغبين بالعودة طوعاً وبالمجان، لذلك قررنا الرجوع بالرغم من المحاولات الكثيرة من الموجودين والاصدقاء لتغيير قرارنا بالعودة، خاصة بعد أن خسرنا كل أموالنا، وتكبدنا المشقة والخوف والتعب.

وبيّن “في أول رحلة للعودة الى العراق، كان عددنا (432)، وهناك عدد كبير جداً ما زال على الحدود التي يبلغ طولها تقريبا (280) كيلو متراً في انتظار دورهم للرجوع”.

مهرّبون

هناك الكثير من الوعود الكاذبة التي يحاول المهربون من خلالها جذب أكبر عدد من الزبائن للحصول على ربح مادي كبير من دون الاكتراث الى خطورة نقلهم وما سيواجهون من صعوبات ومخاطر قاتلة ونهاية فاشلة بكل الأحوال في الحصول على ما يرغبون، اضافة الى فقدان أموالهم، وها هي الحوادث التي نشاهدها بين فترة واخرى من غرق وموت لأسباب متعددة، فاضافة الى الوعود هناك منافذ احتيال اخرى مختلفة، منها السفر الى اوروبا بشكل قانوني، وهناك الشركات الألمانية التي بحاجة دائما الى عمالة جديدة، فضلا عن طمأنتهم في حال السفر بحرا اذا حصلت حادثة غرق بأنه توجد سفينة ضخمة تقوم بعملية الانقاذ، ومنح المانيا المهاجرين مبالغ نقدية وغيرها من الوعود وعمليات الاحتيال.

المصدر: الصباح

محرر الموقع : 2022 - 01 - 10