عاشوراء (٧)
    
 السنة الثانية
                       نزار حيدر
   {يا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ اِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ}.
   هذا يعني انّ النّهج الحسيني لم ينتهِ أو يتوقّف لحظة استشهاد السبط الحسين بن علي (عليهما السلام) ظهر عاشوراء، كما ان النّهج الأموي القائم على القتل والذبح والعدوان واغتصاب السّلطة وفرض الامر الواقع، لم ينْته او يتوقف بزوال سلطة الأمويين، ابداً، فكِلا المنهجين حفرا في التاريخ أخدوداً عميقاً لا يمكن محوه ابداً، ولذلك نرى دائماً ان هناك من يسير على نهج الحسين (ع) كقيم ومنهج وأدوات في عمليّة التّغيير، وهناك في نفس الوقت من يلتزم النهج الأموي في كل شيء.
   ومنذ عاشوراء انطلق المنهج الحسيني كمدرسة واضحة في كل شيء لا يمكن لأحد ان يشوّه معالمها او يطمس أصولها مهما فعل، ومن اجل الإقرار بهذه المدرسة وبهذا النهج فان شيعة الحسين (ع) يعلنون دائما سلميّتهم لمن سالم عاشوراء ولم يحارب كربلاء او يسعى لنصب العداء لها، كما انّهم يُعلنون الحرب الشعواء على كلِّ من يتصدى لعاشوراء او يحاول ان يلغي اثرها في الحياة اليومية لهم.
   وليس المقصود بالسلم والحرب هنا، على صعيد المعركة الدّموية فحسب، ابداً، فقد تكون هذه آخر مراحل الدفاع عن النّهضة الحسينيّة، إنما المقصود على مختلف المستويات، والتي منها على سبيل الفرض لا الحصر:
   اولا: المستوى الفكري والثقافي. والّذي يتمثّل برفض العبودية والتشبّث بالحريّة والكرامة كَقيم لا يجوز للإنسان ان يتنازل عنها مهما كان الثمن.
   لقد أصّل الامام الحسين (ع) لفكرة الدفاع حتى الموت من اجل العزة والكرامة عندما قال {ألا وإنّ الدّعيّ بن الدّعيّ قد ركزَ بين اثنتين بين السّلة والذّلة وهيهات منّا الذّلّة يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوسٌ أبيّة من أن نؤثرَ طاعة اللّئام، على مصارع الكرام} وهذا الامر لا يقتصر على شريحة المؤمنين فحسب، وإنما يشمل كل الناس وكل البشرية، ولذلك فان الاسلام يحترم تضحيات الشعوب والامم من اجل كرامتها وحريتها، كون الحرية والكرامة جعل الهي لعباده لا يجوز لاحٍد مصادرته او سلبه من أحدٍ، فقال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} وقوله {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
   ثانيا: العدل ورفض الظلم، سواء أكان على المستوى الفردي او على المستوى الاجتماعي، فلقد قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وقوله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
   وليس المقصود بالعدل على مستوى القضاء او السياسة فحسب، وإنما على كل المستويات، ليتحوّل الى ثقافة في المجتمع، فلا يظلم احدٌ أحداً، بدءاً من العائلة التي يجب ان تكون بالنسبة للابناء على وجه التحديد الحاضنة الدافئة التي تُشعرهم بالعدل في المحبّة وفرص الخير والاهتمام والرعاية وفي كل شيء.
   ثالثا: المساواة وعدم التمييز على اساس الدين او المذهب او العنصر او الّلون.
   كذلك على كل المستويات، لتتحوّل الى ثقافة تجمع ولا تفرّق، وتوحّد ولا تمزّق، فلقد جسّد الحسين (ع) في كربلاء في يوم عاشوراء اروع صور المساواة خاصة على صعيد فرص الخير، فلم يغلق باب الخير والشهادة في سبيل الله تعالى ونصرة الحق بوجه أحدٍ أبداً، فلو كان قائد الجيش الأموي عمر بن سعد قد تاب لضمّه في جبهته بلا تردد، بلا حقدٍ او كراهيةٍ او استصحابٍ لتاريخه الأسود.
   رابعا: على مستوى السلطة والحكم، لا يجوز لأحد ابداً فرض نفسه وسلطته على الناس، ولذلك فإننا نرفض نظرية التمكّن من رقاب الناس بالقوة والعصبيّة والتي ثقف الأمويون عليها المجتمع ليأتي وعّاظ السلاطين من بعدهم من أمثال ابن خلدون ومن لفّ لفّه للتّنظير لهذه النظرية وشرعنتها كنظرية أمر واقع، لازالت الأنظمة العربية على وجه التحديد تتوارثها لإضفاء الشرعية على سلطتها الدنيويّة بمسوح الدين.
   ان نظرية [ستكونُ هنات وهنات، فمن أراد انْ يفرِّق أمر هذه الأمة وهي جمعٌ، فاضربوه بالسّيف كائنا ما كان] و [منْ رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فانّ من فارق الجماعة شبراً فمات الا ميتة جاهليّة] هي نظرية امويّة بامتياز لاضفاء الشرعيّة على سلطة الظالم، وهي ليست من الاسلام في شيء أبداً، والذي يقول عن الحسين (ع) عن جدّه رَسُولُ الله (ص) {من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهدِ الله مخالف لسنّة رسول الله(ص) يعمل في عبادِ الله بالاثمِ والعدوان فلم يغيّر ما عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقاً على الله ان يُدخلهُ مدخله}.
   خامساً: تبنّي نظريّة الوعي المعرفي ورفض كل النّظريات التي تكرّس حالات عبادة الشخصية وتأليه الزعيم والقائد الضرورة، والتي تُنتج مجتمعات مشلولة الفكر وجاهلة ومتخلّفة، فترى المواطنين فيها سكارى وما هم بسكارى.
   سادساً: اعتماد الحوار والمنطق والحجّة كأدوات في العلاقة مع الاخر، ورفض كل انواع الاستئثار واحتكار الحقيقة والغاء الراي الاخر.
   لقد صرف الامام الحسين (ع) وقتا طويلاً جداً في عملية إلقاء الحجّة بالحوار قبل المعركة العسكرية التي رفضٓ ان يكونٓ هو البادئ بها، مع ما لَهُ على القوم من حججٍ بالغة، فلماذا نختزل علاقاتنا مع بعضِنا بالعنف والسب والشتم واللعن والعدوان، وربما بالتكفير وحزّ الرقّاب كما يفعل الارهابيون الذين ورِثوا العنف والارهاب بكل اشكاله من الأمويّين؟. 
محرر الموقع : 2014 - 10 - 31