بمشاركة ممثل المرجعية الدينية العليا في أوربا :مؤسسة الامام علي (ع)في لندن تحيي ذكرى ذكرى وفاة ابي طالب عم الرسول (ص) وحاميه، وشهادة الامام موسى الكاظم (ع) (مصـور )
    
ممثل المرجعية العليا في اوربا، في ذكرى وفاة ابي طالب عم الرسول (ص) وحاميه، وشهادة الامام موسى الكاظم (ع): 
• يذكّر الظلمة بأن الله سبحانه وتعالى قضت حكمته ومشيئته بأن (يمهل الظالم ولا يهمله) لقوله تعالى ((إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)) 
• حكم بنو العباس ما زاد على الخمسة قرون ولم يبق لهم ذكر يذكر ((وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ)) 
• حارب الظالمون اهل البيت (ع) وسلبوهم حقهم الشرعي وتسلطوا على رقاب الامة بالقوة والقهر فكانت عاقبتهم الى فناء، وبقي اهل البيت (ع) رمزا للحق والعدل ويزداد ذكرهم يوما بعد يوم رفعة وعلوا ((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) 
• هارون الرشيد يخاطب ولده المأمون (يا بني لو نازعتني في الامر لأخذت الذي فيه عينيك) وما اشبه اليوم بالبارحة !

 

 

جاء حديثه هذا بمناسبة وفاة ابي طالب عم النبي (ص) وحامية وشهادة سابع ائمة المسلمين الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) الذي جسّد الكمالات النبوية في العلم، والهداية، والعمل، والتربية، وبجهوده العلمية المباركة توسعت مدرسة اهل البيت (ع) واتضحت معالمها واينعت ثمارها، ولازلنا نتفيء ظلالها ونقتطف من ثمارها حتى عصرنا الحاضر. 

لقد سار الامام موسى الكاظم (ع) على منهاج جده رسول الله (ص) وابائه المعصومين (ع) في الاهتمام بشؤون الرسالة الالهية وصيانتها من الضياع والتحريف والجد في صيانة الامة من الانهيار والاضمحلال ومقارعة الظلم والظالمين وتأييد الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر في الصد عن تمادي الحكام في الظلم والاستبداد، وكانت مدرسته العلمية الزاخرة بالعلماء وطلاب المعرفة تشكل تحديا اسلاميا حضاريا وتقف امام تراث كل الحضارات الوافدة وتربي الفطاحل من العلماء والمجتهدين، وتبلور المنهج المعرفي للعلوم الاسلامية والانسانية معا بظهور علمه الرباني وقدرته الفائقة على الحوار والاحتجاج منذ ان تسلم زمام الامور الدينية والعلمية والسياسية والتربوية بعد استشهاد ابيه (ع) في ظروف سياسية قاسية كان يخشى فيها على حياته المباركة، حتى اضطر الامام الصادق (ع) بان يجعله واحدا من خمسة اوصياء في وصيته المشهورة التي بدد فيها تخطيط المنصور لاغتيال وصي الامام الصادق (ع)، واستمرت هذه المرحلة حتى هلاك المنصور سنة 158هـ واستولى المهدي ثم الهادي سنة 169هـ على السلطة والتي تبلغ اكثر من عقدين من الزمن، وكانت هي مرحلة انفراج نسبي لاهل البيت (ع) واتباعهم سيما في عهد المهدي العباسي، وبعدها استولى هارون الرشيد على زمام الحكم سنة 170هـ وكان معروفا بحقده الدفين وعداوته للعلويين، واستمرت هذه المرحلة حتى سة 183هـ ، غير ان الامام (ع) لم يمنعه ظلم الرشيد من نشاطه العلمي وجهاده وثباته على موقفه وعدم تنازله عند رغبات الرشيد ومحاولاته اذلال الامام (ع) ، بل باشر مهامه بكل احكام واتقان، واعطى للامة مفهوما في العمل وهو عدم الركون للظالمين قائلا (ان الظالمين اذا وجدوا اعوانا ووجدوا مطيعين لهم فانه يستفحل امرهم، واذا تجرد الظالمون من الاعوان والمطيعين عندها يسقط امرهم) وحذر الناس من التعامل مع هارون واتباعه ورفض كل الوان العمل تحت وصايتهم، واعتبرهم من اعوان الظالمين، حيث قال لرجل كان يخيط ملابسهم بانك من اعوان الظلمة، فقال له يابن رسول الله (ص) اني رجل خياط اخيط ثيابا لهؤلاء (العباسيين) فهل تراني من اعوان الظلمة ؟ فقال الامام (ع): نعم. ان الذي يبيعك الخيوط والابر هو من اعوان الظلمة، واما انت فمن الظلمة انفسهم. وجاءه اخر قد استأجر هارون بعض جماله لقوافل الحج فنهاه الامام (ع) قائلا: لا تؤجر الرجل جمالك فانك من الظلمة ومن محبيهم، فقال الرجل: لا ابدا يابن رسول الله (ص) لا احبه ولا اريده، فقال له الامام (ع): الا ترجو في نفسك ان يعيش هارون حتى يرجع اليك كرى جمالك؟ قال: نعم. قال (ع): فاذا انت من الظلمة ومنهم. 

وبهذا الشكل كان الامام (ع) يحذر الناس من التعامل مع بني العباس، وبهذا الاسلوب كان الامام (ع) يواجه هارون وغيره من الظلمة. بل كان احيانا يواجهه بالحقائق التي تغضبه وتزعجه فمن ذلك ما كان في أول حج للرشيد بعد أن تولى الخلافة. وعندما ذهب لزيارة قبر الرسول (ص)، وقف أمام القبر الشريف وسلّم عليه قائلا: "السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا ابن العم!" مفتخراً بذلك على من معه بقرب نسبه من رسول الله (ص). فما كان من الإمام موسى بن جعفر (ع) الذي كان حاضراً وقتها إلا أن سلّم على الرسول قائلاً: "السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا أبه!" فتغير وجه الرشيد على الفور، وبان الغيظ فيه. لكنه أراد أن يكبته، فقال للإمام (ع): "هذا هو الفخر يا أبا الحسن حقاً!". وفي مورد اخر سأل الامام (ع) عن قربه من رسول الله فاجابه بانه ولدنا ولم يلدكم وقرب له المعنى بقوله لو حشر رسول الله ونشر وخطب منك ابنتك هل كنت تزوجه قال نعم ازوجه وافتخر بذلك فقال له الامام اذا فرسول الله لا يخطب مني ولا ازوجه لانه ولدنا ولم يلدكم فاربد وجه الرشيد لجواب الامام (ع). 

هذا وقد اسس الامام (ع) خلال فترة حكم بني العباس جماعة صالحة مؤمنة مدافعة عن الحق محاربة للظلم والظالمين معلما لها المنهج التربوي لتأصيل الامتداد الشيعي ليواجهوا التحديات والوقوف امام عمليات الابادة التي بدءها الخلفاء للتخطيط لها كلما شعروا بتوسع دائرة الائمة (ع)، وكان منهجهم وخطهم هو الرفض للظلم والظالمين، واخذ الامام (ع) يعمق في الامة النزاهة والدقة في رفض الظلم ليمتلكوا وعيا سياسيا يحصنهم من الانجراف مع التيار الحاكم والاستجابة لمخططات الاحتواء. 

ولم تتوقف حملات الامام الاعلامية والفتوائية ضد هارون التي كان يسمعها وتنقل اليه، في الوقت الذي التف حول الامام (ع) كوكبة من اصحابه وتلاميذه باعتباره كبير الطالبيين وزعيم ال محمد (ص) ووارث علوم الائمة الهداة الميامين والمع الشخصيات الاسلامية في ذلك العصر، ومن ائمة المسلمين، وقد اجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم على ذلك وتحدث الناس في عصره عن علومه ومكارمه، وكان هارون نفسه ممن يجلّه ويعتقد ان الخلافة الاسلامية هو اولى بها منه، وروي أن المأمون قال لقومه: أتدرون من علمني التشيع؟ فقال القوم: لا والله ما نعلم ذلك. قال: علمنيه الرشيد! قيل له: وكيف ذلك، والرشيد كان يقتل أهل البيت؟! قال: كان ابي الرشيد يقتلهم على الملك، لأن الملك عقيم. ثم حدثهم بالقصة كاملة ودخول الامام (ع) واجلال الرشيد واحترامه وقلة عطائه له. يقول المأمون وكنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين ومن هذا الرجل الذي أعظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده. فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟ فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني أنه لأحق بمقام رسول الله مني ومن الخلق جميعا، ووالله لونازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عينيك، لأن الملك عقيم. 

وما اشبه اليوم بالبارحة، فنرى طلاب الدنيا والمناصب والكراسي يتفانون من اجلها، دون الاكتراث بحالة شعوبهم وما يعانونه من ماسي وويلات ولا يهمهم ذلك حتى وان ساروا على جماجم الابرياء، كما هو الحال. 

نعم، هذه بعض معالم سيرة الامام (ع) المثلى في مقارعة الظلم والظالمين، اما ما ذكره البعض بأن الامام (ع) كان يتخفى ويحتجب عن اصحابه وشيعته حفاظا على نفسه، فلا يمكن الركون اليه والاعتماد عليه لان الامام (ع) كان متمسكا بموقفه بالتنديد بالظالمين حتى وهو في سجنه كان يجيب هارون على رسالته بقوله: (لن ينقضي عني يوم من البلاء الا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعا الى يوم ليس له انقضاء يخسر في المبطلون). 

ولكن السؤال التي يطرح نفسه اليوم، اين بنو امية واين هارون واين بنو العباس الذين حكموا 557 سنه؟ فهل تجد لهم من يذكرهم او من يترحم عليهم ؟ بل خلدوا باللعنات. وهذا باب الحوائج موسى بن جعفر (ع) يتجدد ذكره يوما بعد يوم ، ونرى هذه الايام الجموع الهادرة بالملايين والمتجهة الى صوب قبره تحي ذكرى شهادته وتعلن ولاءها له رغم المخاطر المحدقة بها، 

نعم هكذا شاءت الارادة الالهية ان يجعل عقب المتقين الجنة وعقبى مناوئيهم النار فاصبح قبلة للاحرار يرددون الهتافات المحزنة والمعبرة عن مظلوميته فالكوخ الذي سكنه باب الحوائج في بغداد دون ان يكون له حاجبا او بوابا صار رمزا للاحرار وتقصده الناس مشيا على الاقدام، وقبته تناطح السماء علوا ومن وارئهم تال للقران ((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)). 

هيا بنا لربي (الزوراء) نسألها            عن ثلتين هما موتى وأحياء 
فقد مشت وبني العباس سامرة            في ألف ليلة حيث العيش سراء 
تجبك أن ديار الظلم خاوية            وإن للمتقين الخلد ما شاؤوا 
ومل الى (الكرخ) وانظر قبة شمخت            تجاذبتها الثريا فهي شماء 
وحي فيها (جواداً) من أنامله            سحابة الفضل والإنعام وكفاء 


فسلام الله عليك يا باب الحوائج يوم ولدت ويوم سجنت ويوم استشهدت ويم تبعث حيا. 

ثم اشار سماحته الى وفاة عم الرسول (ص) وناصره ابو طالب رضوان الله عليه الذي صادفت وفاته في 26 رجب سنة عشرة للبعثة النبوية الشريفة، مشيدا بمواقفه الجهادية بنصرة الرسالة الاسلامية ورسولها الكريم ايمانا منه به وبرسالته ومدافعا عنه بكل ما اوتي من قوة وحزم وهو شيخ البطحاء وسيدها المهاب المطاع، وقدم بذلك كل ما بوسعه للحفاظ على سلامة النبي (ص)، فكان يسهر الليالي برعايته وينيم ابناءه مكانه لاخفائه خوفا عليه من كيد الاعداء وبطشهم به. 

هذا وحزن النبي (ص) كما حزن على وفاة خديجة التي توفيت بنفس العام، وسمى ذلك العام بعام الحزن، ومشى (ص) خلف جنازته واثار الحزن بادية عليه، وانزله الامام علي بن ابي طالب (ع) في قبره ومن وراءه قولة الرسول المشهورة (أم والله لاشفعن لعمي شفاعة يعجب بها أهل الثقلين). 

فــلـولا أبــو طـالـبٍ و ابـنُـهُ            لَـمـا مَـثُـلَ الـدّينُ شَـخْصَاً فَـقاما 
فَــهـذا بِـمَـكّـة آوى وَحــامـى            وهــذا بِـيَـثربَ شــامَ الـحُـساما 
تَـكَـفَّـل عَــبـدُ مُــنـافٍ بــأَمْ            ر وأودى وَكـــانَ عَـلـيٌّ تَـمـاما 
فَـقُـلْ فِــي سَـبيلِ ثـوى بَـعْدَ مـا            قَـضَـى مــا قَـضاهُ وأبْـقى شُـماما 
فَــلـلَّـه ذا فــاتِـحـاً لِـلْـعُـلى            وَلــلــه ذا لِـلْـمَـعالي خِـتـامـا 
وَمــا ضَــرَّ مَـجـدَ أبـي طـالِبٍ            جَـهُـولٌ لَـغـا أو بَـصـيرٌ تَـعـاما 
كَـمـا لا يَـضـرُّ إيــابَ الـصَّـبا            حِ مَـنْ ظَـنَّ ضَـوءَ الـنَّهار ظَـلاما 

محرر الموقع : 2016 - 05 - 03