صحيفة تركية تستعمل «مجزرة عراقية» للحديث عن قتلى أطفال سورية
    

بغداد ـ نهاد جاسم .. استعملت صحيفة ديلي صباح التركية في تقرير لها عن أعداد ضحايا الحرب الاهلية من الاطفال السوريين، صورة عن مجزرة ارتكبها النظام العراقي السابق بحق عدد من سكان وسط العراق .


حسب ما لاحظت هيئة تحرير جريدة "العالم"، فيما رأى صحفي عراقي ان استعمال صور توثق مآسي العراقيين ونسبها لغيرهم يؤكد "اعترافا" و"تجاهلا" في الوقت نفسه.

والصورة، التي نشرتها الصحيفة التركية في عددها الصادر أمس، الاثنين 21 من نيسان، هي في الحقيقة التي التقطها الفوتوغرافي ماركو دي لورو، في 27 من اذار 2003، حيث تظهر طفلا عراقيا صغيرا يقفز على عشرات الاكياس البيض، التي تحتوي على هياكل عظمية عثر عليها في صحراء بمنطقة جنوب بغداد.

وكان الفوتوغرافي دي لورو أكد في تصريحات سابقة انه هو "الذي التقط الصورة وهي موجودة على موقعي الاليكتروني، في قسم خاص بقصص أجريتها أنا في العراق خلال ما يسمى بحرب العراق، في أعقاب سقوط صدام."

وعلى موقعه الاليكتروني، يضع دي لورو تعليقا على الصورة نفسها يقول ان الصورة التقطت في المسيّب في 27 من ايار 2003، وأنها تظهر طفلا عراقيا يقفز على صفوف مئات الجثث المطروحة في ساحة مدرسة بعد نقلها من مقبرة جماعية لغرض التعرف عليها.

وقال دي لورو إن هذه الجثث اكشفت في صحراء على ضواحي قضاء المسيب، 40 كيلومترا جنوب بغداد. ويقدر ان بين 10 آلاف و15 الف عراقي كانوا قد فقدوا في منطقة جنوب بغداد. وكان أهل الضحايا أمضوا أياما بحثا عن بطاقات هوية أو أي اشارات بين الهياكل العظمية في محاولة منهم للعثور على بقايا اخوان وآباء وأمهات وأخوات، بل حتى اطفال كانوا قد اختفوا عندما سحقت حكومة صدام الشيعة المنتفضين في اعقاب حرب الخليج في العام 1991.

صحفي عراقي، ناصر الجمّال، رأى في حديث مع "العالم" امس ان "استعمال وسائل إعلام صور هي في الحقيقة عن مجازر عراقية، سواء في زمن النظام الدكتاتوري السابق أو في الاعتداءات الارهابية منذ 2003، ونسبها الى أحداث في مناطق اخرى في العالم أو تزييف الحدث الذي تظهره الصورة في الحقيقة، يعد استهانة بضحايا العراقيين".

وأوضح "انك عندما تقول او تلمح الى ان هذه الصورة تمثل حدثا غير الذي تظهره، فهذا يعكس عدم اكتراثك لـ(اهمية) الحدث فعلا، وانك تحاول ان تنسبه لشيء آخر يخدم غرضك غير المعلن مباشرة".

وقال الجمّال ان "آثار مجازر النظام الدكتاتوري العراقي السابق حظيت، في جزء منها لحسن الحظ، بتوثيق بأيدي صحفيين غربيين محترمين، من قبيل الفوتوغرافي دي لورو، شاركونا الألم، وسجلوا مواساتهم للعراقيين بصور فوتوغرافية وتقارير صحفية".

ولاحظ ان "عندما تستعمل وسيلة اعلامية معينة صورة عن واحدة من فظائع النظام العراقي السابق وتنسبها الى حدث في سورية مثلا، كما حدث مع هذه الصورة التي نشرتها ديلي صباح وقبلها بي بي سي، فهذا يعني ان هناك اقرار بفظاعة الحدث الموثّق بعينه، لكنه في الوقت نفسه يعني مصادرة آلام العراقيين الحالية أو السابقة".

من جانبه، راى هادي المالكي، وهو مراقب سياسي من بغداد، ان "في اغلب الاحيان تتبنى صحف، وإن لم تكن تابعة للدولة، توجه الحكومات".

وقال المالكي في حديث مع "العالم" امس ان على اساس "موقف الحكومة التركية من النظام السوري، فمن الطبيعي ان تاخذ الصحف التركية الاتجاه نفسه، ودعمها المسلحين، ولذلك تقوم الصحف التركية بنشر امور لا تنطبق عليها الاحداث."

اما واثق الهاشمي، وهو مراقب سياسي ايضا من بغداد، فقد قال لـ"العالم" ان "ديلي صباح مقربة من اردوغان المعروف بسياسته تجاه سورية".

وراى ان الصحيفة التركية "تحاول ارضاء حكومة بلدها"، لكنها بهذا "ستفقد الكثير من مصداقيتها وتقلل من استقلاليتها".

وقال ان "نشر مثل هذه الصورة خطأ كبير"، متوقعا "ردود فعل تجاه الصحيفة".

وكانت شبكة بي بي سي الاخبارية البريطانية واجهت انتقادات اثر استعمالها الصورة نفسها عندما نسبتها لما وصفته في تقرير لها في ايار من العام 2012 بانها مذبحة اطفال فظيعة في سورية.

وكانت صحيفة تلغراف البريطانية نقلت في ايار من العام 2012 عن الفوتوغرافي ماركو دي لورو قوله اثر مشاهدته صورته في موقع بي بي سي، انه كاد يسقط "من الكرسي" عندما رأى الصورة تستعمل في هذا السياق، وقال انه "مندهش" من فشل مؤسسة بي بي سي بالتحقق من مصادرها.

وكانت الصحيفة البريطانية قالت ان هذه الصورة بُثت على موقع بي بي سي الاخباري في 26 من ايار تحت عنوان "ادانة مذبحة الحولة السورية وسط تصاعد الغضب". وكان شرح الصورة ينص على ان الشبكة الاخبارية البريطانية حصلت عليها من ناشط ولم تتمكن من التأكد من صحتها من مصدر مستقل، لكنها تقول ان الصورة "يعتقد انها تبين جثث اطفال في الحولة استعدادا لدفنهم."

وقال دي لورو في حينها، وهو مصور فوتوغرافي محترف، "ذهبت الى البيت في الساعة 3 بعد الظهر وفتحت صفحة بي بي سي التي كانت تضع في صفحتها الاولى قصة عما حدث في سورية فشعرت اني اوشك على السقوط من كرسيي."

وأضاف ان "احدى صوري عن العراق استعملها موقع بي بي سي الاليكتروني في الصفحة الاولى زاعمة أن هذه جثث مذبحة حدثت البارحة في سورية وبأن الصورة أرسلها ناشط." وأضاف ان "ما ادهشني حقا هو ان مؤسسة اخبارية مثل بي بي سي لا تتأكد من مصادرها ومستعدة لنشر أي صورة يرسلها اليهم أي ناشط، سواء كان مواطنا صحفيا أو أيا كان. هذا هو الحال."

وقال انه لا يشعر بقلق كبير حيال تقديم اعتذار من جانبهم أو انهم استعملوا الصورة من دون موافقته، مشيرا الى ان "ما هو عجيب هو ان مؤسسة اخبارية لديها صورة تثبت مذبحة حدثت البارحة في سورية، في حين ان الصورة التي أُخذت في العام 2003 تتحدث عن مذبحة مختلفة تماما."

ولفت دي لورو الى ان "الواحد يستعمل صورة الآخر لأغراض الدعاية عن قصد."
محرر الموقع : 2014 - 04 - 22