ممثل المرجعية العليا في أوروبا يهنئ العالم الإسلامي بحلول شهر رمضان المبارك، ويدعو المؤمنين في هذا الشهر الفضيل إلى الاستفادة من أجوائه الروحية: بترويض النفس، وتهذيبها، والارتباط بأهل البيت عليهم السلام.
    
بسمه تعالى 

((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) البقرة/ 185

جاء حديثه هذا بمناسبة شهر رمضان المبارك حيث هنأ المسلمين بحلوله سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يعيده على الأمة الإسلامية باليمن والبركة والوحدة والألفة، قائلًا: 

إن دخول الشهر الكريم يذكرنا بقول الرسول - صلى الله عليه وآله -: " شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله " . 
ومن الذي يستطيع أن يرد دعوةَ الرؤوف الرحيم وعطاءَه وفيضَه ؟ 

إن هذا الموسم الإلهي قد اعتنى بتنمية جوانب عديدة من حياة الإنسان الروحية : 
* الدعاء: لأن من أهم مميزات شهر رمضان أنه شهر الدعاء والتضرع والارتباط بالله لا سيما في هذا الزمن الذي طغت فيه المادة خصوصًا في بلداننا الغربية التي غفل فيها الإنسان عن خالقه العظيم. فهو بحاجة إلى هذه الكنوز الروحية التي تزخر بها مدرسة أهل البيت -عليه السلام - من شتى الأعمال والأدعية النفيسة كدعاء الافتتاح ودعاء البهاء ودعاء أبي حمزة الثمالي وغيرها بما تحمل من معانٍ عظيمة ومضامين رفيعة من تمجيد الله وتسبيحه وتذكير الإنسان بمدى احتياجه وفقره إلى المالك الحقيقي والودود الرؤوف بعباده، ومن بيده وحده العطاء والمنع. وما يقابل هذا الحث على الدعاء وَعْدُ الله بالإجابة لقول رسول الله (ص): (توبوا إلى الله من ذنوبكم. وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فانّها أفضل السّاعات ينظر الله عزَّ و جلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، و يلبيّهم إذا نادوه و يستجيب لهم إذا دعوه). 

* ترويض النفس وتهذيبها هو الجانب الآخر من عطاء هذا الشهر الكريم فحين سئل (ص) عن أفضل أعمال رمضان قال "الورع عن محارم الله". فإن الله إذ أمر الإنسان أن يمتنع عن الشهوات الحسية المحللة في سائر الشهور قد ندبه إلى تهذيب نفسه وترويضها على الامتناع عن المحرمات والإكثار من الطاعات فقد قال رسول الله (ص) (فإنَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، و اذكروا بجوعكم و عطشكم فيه جوع يوم القيامة و عطشه) ( احفظوا [فيه] ألسنتكم، و غضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم، و عمّا لايحلُّ الاستماع إليه أسماعكم). 

* الارتباط بأهل البيت -عليه السلام- . حيث لا تنفك ذكرى هذا الشهر العظيم عن المصيبة الوحيدة لأهل البيت -عليهم السلام- ، ألا وهي استشهاد أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي -عليه السلام- في ليلة القدر. فليس من الصدفة أن تكون ليلة القدر التي نزل فيها القرآن الصامت هي موعد شهادة القرآن الناطق. فإنا عندما نتذكر أسى رسول الله (ص) حينما قال (أبكي لما يستحل منك [يا علي] في هذا الشهر) نبكي على جناية الأمة على أنفسها وإضاعتها لنعمة الولاية الذي قال رسول الله (ص) أنه لن يفترق عن القرآن الناطق، وبما أن الأمة قتلت الثاني فقد هجرت الأول لذا فسوف يشكوها رسول الله يوم القيامة (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا). 

وأي تنكّر وهجران للقرآن وأحكامه من أن يفتي مجموعة من المفتين بتكفير ثلثي المسلمين ؛ وبذلك يقتل الأبرياء ويُحارب الأتقياء وتسفك الدماء وترمّل النساء وتذبح الاطفال وتحرق المنازل وتنبش قبور الصلحاء وتهدم مقامات الانبياء، أبهذا أمرنا القرآن أم إليه دعانا سيد الأنبياء ( ص) فتلك والله الطامة الكبرى والنازلة العظمى بأن تخالف أحكام الله علانية وجهارا ((إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)) .فأين نحن من آيات التراحم والتعاطف والتآلف والتواصل لا سيما في هذا الشهر الكريم الذي فتح الله فيه أبواب التوبة لعباده العاصين ((‏‏وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))،نسأل المولى سبحانه وتعالى بعظمة هذا الشهر الكريم أن ينبهنا من نومة الغافلين ويرحمنا برحمته فإنه أرحم الراحمين.

محرر الموقع : 2016 - 06 - 07