وشايةُ المهاجرين على بعضهم ظاهرة مرضية أم حرصٌ على المواطنة الجديدة؟
    

 

الكومبس – تحقيقات : هل الوشايةُ بالآخرين، وإبلاغُ الدوائر الحكومية، بممارسة بعض المهاجرين أفعالاً غير قانونية، تنطلقُ من " الحرص " على قوانين البلد الجديد، أم مصدرها، أمراضٌ إجتماعية متوارثة من المجتمعات التي قدِموا منها؟

الوشايةُ بالآخرين، أو كتابةُ التقارير والإبلاغ عن ممارسات غير قانونية معينة في الحياة العامة، أصبحت في السنوات الأخيرة ظاهرة في مجتمعات المهاجرين الصغيرة، أزدات مع أزدياد أعدادهم، تكثُر في أوساط العوائل التي تعاني من البطالة، وتتلقى المساعدات الإجتماعية - المالية من البلديات ومكاتب العمل وصندوق التأمينات العامة، مقابل نشاط أو خطة مُحددة، للدخول في سوق العمل.

هذه المساعدات تُمنح، مقابل شروط، منها على سبيل المثال، ان الشخص، أو العائلة، التي تستلم مساعدات مالية من الدولة، لايجوز لها السفر خارج السويد، وإستلام المساعدة من الدولة في نفس الوقت. أو أن الشخص المتقاعد الذي تصرف له الدولة راتباً تقاعدياً، عليه إبلاغ صندوق التأمينات العامة، عندما يريد مثلا العيش لفترات طويلة خارج السويد.

سافر لبلده فدفع ثمن ذلك عند عودته للسويد

سالم ( 52 عاماً )، ربُ أسرة تتكون من ثلاث أطفال، يعيش في مدينة يوتوبوري ( جنوب السويد ) منذ 6 سنوات، طلب عدم نشر إسمه الحقيقي، أصبح حسب ما يعتقد ضحية شكوى قدمها جاره القديم عليه، لسفره مع عائلته الى العراق، لزيارة أهله بعد ست سنوات من الفراق، سرعان ما دفع ثمنها غاليا عند عودته للسويد مجدداً.

يقول سالم لـ " الكومبس ": " ثاني يوم من عودتنا، إتصلت بي مسؤولتي الإجتماعية وطلبت مني مقابلتها، وعند الإجتماع بها، أبلغتني إننا قررنا قطع المساعدة الإجتماعية عنك وعن عائلتك، لمدة توازي الفترة التي قضيتها في العراق، والمبلغ المُفترض الذي صرفته على شراء البطاقات، لانك لم تُبلغنا بذلك، وإذا كان لديك كل هذا المال، لايُفترض بك أن تطلب من الدولة المساعدة المالية الشهرية"!

والمقصود بالمساعدة المالية الشهرية، هو مبلغٌ من المال، يُصرف للعائلة من الدولة، يشمل إيجار البيت والكهرباء والنقل ومصاريف الحد الأدنى من الطعام والرعاية الصحية والأوقات الحرة للإطفال، مقابل برنامج لتعلم اللغة والبحث عن عمل، لحين الحصول عليه، والإعتماد على الذات.

يضيف سالم: " رفضت المسؤولة في الكومون الإفصاح عن إسم الشخص الذي تلقت منه المعلومات، لكنني متأكد إنه جاري القديم في العراق ( أبو .... ) فهو الوحيد الذي يعرف إننا سافرنا.

images 33.jpg

نادين ( 42 عاما )، قالت هي الأخرى لـ " الكومبس " : " هل تصدقون إن المسؤولة خابرتني وانا في المطار أثناء السفر، وسألتني هل حقاً إنني أسافر مع أطفالي الثلاثة، دون إبلاغهم"؟ نادين تستغرب بشدة من ذلك، وتقول إن " أشخاصاً محددين جداً، يعرفون بموضوع سفري، فكيف عرفت المسؤولة"؟؟

قصصُ الشكاوى أو الوشاية بالآخرين، أصبحت حديث المجالس في هذه المجتمعات الصغيرة، حتى ان كثيرين يُطلقون العنان لخيالاتهم في توجيه الإتهام الى هذا وذاك، كونه مسؤولاً عن تقديم الشكاوى. وهكذا تتحول خلافاتٌ ومشاكلُ إجتماعية وعائلية سابقة، مضى عليها سنوات طويلة، حدثت في البلدان الأم، الى مواد دسمة، يُستند عليها في توجيه الإتهام الى الناس المُفترضين المسؤولين عن تقديم " الوشايات " بالاخرين.

في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم عندما كانت الأوضاع في العراق كافية لمنح الإقامات ، إستغل عدد من اللاجئين من الدول المجاورة ذلك، وكانوا يُزورون وثائق ويقدمونها على أساس أنهم عراقيون !! لكن " الوشاة " و" كاتبي التقارير " كانوا لهم بالمرصاد، وحدثت مشاكل كثيرة بسبب من ذلك.

كذلك حدث هذا الأمر بين السوريين واللبنانيين لفترات محددة في الثمانينات، والآن يحدث لبعض اللاجئين من الدول المجاورة لسوريا، فيقدمون وثائق سورية مزورة، بهدف الحصول على إقامات، لان السويد عادة ما تمنح الإقامات لهم، لكن كل ذلك يواجه بالمرصاد من قبل " كُتاب التقارير"، وما أكثرهم.

بعض المقيمين الذين تحدث موقع " الكومبس " معهم، يؤكدون إن إدارات البلديات لديها تفاصيل ومعلومات دقيقة جداً على الأغلبية الساحقة من العوائل التي تستلم المساعدات الإجتماعية، من قبيل أوقات سفرهم، وممتلكاتهم، وأماكن عمل البعض بـ " الأسود " والخ.

مصلحةُ الضرائب، تتلقى هي الأخرى، سيلٌ من التقارير من " فاعلي خير " و " كُتاب تقارير " عن الإيرادات المفترضة للاخرين، أو الأعمال التي يمارسها البعض دون علم المصلحة. وهكذا تحولت السويد الى ساحة لتصفية خصومات ومشاكل قديمة.

1EA46013-B62F-451A-BF6E-325FD85500C6_mw1024_n_s.jpg

فريد باسيل الشاني

وجهة نظر رسمية

" الكومبس " تحدث مع مدير دائرة العمل والشؤون الإجتماعية في منطقة Angered بمدينة يوتوبوري، فريد باسيل الشاني، حول هذا الموضوع، وسأله هل القانون يُجيز تجنيد الكومونات ( البلديات ) أفراداً للتجسس على الأجانب؟ فنفى نفياً قاطعاً أن يكون ذلك موجوداً، وشددّ على أن ذلك هو مخالفةٌ صريحة للقانون.

وقال : " تأتينا بشكل يومي تقريباً رسائل وشكاوى وإتصالات حول مختلف القضايا، من ناس عديدين، قسمٌ منهم يفصح عن هويته، وقسم آخر يرفض ذلك. وكدائرة رسمية، من واجبنا عند ورود شكاوى، التحقيق فيها، وإبلاغ الشخص المقصود بذلك، فإذا تبين أن ذلك صحيحاً، يجري إتخاد الإجراءات القانونية بحق المخالف، وإذا تبيّن أن الشكوى كيدية فان مصداقية الشخص تسقط لدى الدائرة".

لكن الشاني يشير الى أن الشكاوى لا تنحصر في هذه الأمور، بل تشمل مجالاً أوسع، مثل شكاوى تتعلق بالتحايل على أموال الدولة، أو مثلاً، الإبلاغ عن ممارسة العنف ضد الأطفال والنساء. وكل ذلك يجري التحقيق فيه.

وجهاتُ نظر أخرى

إذا كان القانون يمنع منعاً باتاً تجنيد " كُتاب تقارير " للتجسس على حياة الآخرين، إذا كيف تعرف هذه الدوائر، أدق التفاصيل؟

هناك وجهةُ نظر نفسية، يتداولها البعض، ومفادها أن القضية لا تخرج عن إطار العلاقات الإجتماعية المشوهة، لبعض الأفراد، التي توارثوها من مجتمعاتهم، بسبب الحسد والرغبة في الإيقاع بالآخرين، وقلة الوعي والثقافة العامة، والحرمان من الحياة الهادئة والآمنة التي زرعت أمراضاً إجتماعية عديدة في نفوس كثيرين.

كما أن البطالة التي يعاني منها عديدون، والجهل بقوانين المجتمع الجديد، تدفعهم الى ممارسة " النفاق الإجتماعي"، والتظاهر بمظهر الحريص على أموال الدولة، مقابل الإنتظار أن تلتفت لهم الدولة، وتكافئهم بالحصول على عمل، أو حتى بمساعدة مالية، كما يتوهمون، أو يتمنون!! وهذه الممارسات، كما يعلم كثيرون، معتمدة وعادية في البلدان العربية.

لكن هل حقاً كل من مارس هذا الفعل، فهو مريضٌ نفسيّاً، و" واشي " بالآخرين؟ ألا يوجد ناس، ساعدتهم الدولة السويدية، ووفرت لهم ولعوائلهم الحياة الآمنة الكريمة، فأصبحوا يشعرون بالمواطنة الحقيقية، ويمارسون هذا الفعل، حرصاً على أموال الدولة، ولمحاربة هذه المظاهر غير القانونية؟

فعديدٌ من المُهاجرين، يستغلون بالفعل مزايا النظام الإجتماعي والخدمات والمساعدات التي تقدمها لهم الدولة، بشكل يكون من الصحيح الإبلاغ عنهم.

قد لاينتهي الجدل والنقاش في هذا الموضوع، وهناك وجهات نظر ونظريات عديدة تقدم تفسيرات من منطلقات مختلفة لتحليل هذه الظاهرة، ومعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراءها. لكن من الواضح ان مداها يتسع يوما بعد يوم، مع زيادة أعداد المهاجرين، خصوصا القادمين من بلدان شهدت تمزقا في النسيج الإجتماعي والقومي والديني، كما حدث ويحدث الآن في عدة بلدان عربية، بفعل الحروب الداخلية والخارجية.

ومع إتساع هذه الظاهرة، يبقى السؤال قائماً: الى أي مدى، يمكن تلمس الخط الفاصل بين " الوشاية " و " الحرص على القانون وأموال الدولة"؟ 

images.jpg

 

 
محرر الموقع : 2013 - 02 - 28