تسعى لإنجاب ذكر خوفاً من الضرّة والطلاق ... {أم البنات}:: ضحية عرف ظالم وقناعات خاطئة
    

 بغداد - هدى العزاوي
"فيما كانت خيوط الفجر تتشابك بقوَّة في السماء، أفاقت امرأة خضعت لعملية ولادة  على صوت صراخ زوجها في وحدة العناية المركَّزة، وهرع اغلب الاطباء والعاملين باتجاه مصدر الصوت بقلق وارتباك لدرجة أن بعضهم اصطدم بالآخر، وارتفع غضب الزوج كبركان ثائر احتفظ بحممه ونيرانه قبل ان يطلقها بعنف في تلك اللحظة التي انتظرها على مدى تسعة أشهر, وتلوَّنت زوابع الغضب بالكثير من العبارات الجارحة والمهينة ووصف زوجته بامرأة لا تلد إلَّا البنات".
وتضيف الممرضة التي روت هذه الحكاية رافضة الإشارة إلى اسمها: "على الرغم من محاولات التهدئة التي بذلها الكثيرون، إلَّا أن الزوج رفض تسلُّم طفلته، فبقيت ترتجف من البرد ولم ينقطع بكاؤها بين ذراعي احدى الممرضات، وتمادى الزوج أكثر فاتهم ادارة المستشفى بتغيير جنس المولود من ذكر إلى أنثى، وأوضح ان فحوصات السونار كانت تؤكد ان زوجته حامل بذكر، لكن الأطباء والعاملين في ردهة الولادة دحضوا اتهام الزوج واثبتوا أن زوجته كانت المرأة الوحيدة التي ولدت كحالة طارئة في الساعات الماضية، وان السوار التعريفي الموجود على معصم الفتاة يثبت في النهاية، وبما لا يقبل الشك ان الطفلة ابنته ولم يتمّ استبدالها حسب ادعائه".
ويشير السيد فالح عزيز الموسوي الأستاذ في الحوزة العلمية الى وجود محاولات متعددة للتحكم في نوع الجنين، إلا ان جميعها وبلا استثناء تجافي الحقائق العلمية والطبية فضلا عن الشرعية، ولو كان ذلك التحكم ممكنا لكان سببا في فناء نوعنا وهلاكه الذي يحفظ التوازن والتكاثر للبشرية.
قناعات مغلوطة

امرأة تنتظر بقلب محطم في احدى المختبرات مجموعة من الفحوصات الطبية لمعرفة نوع جنينها بعد أن هددها زوجها بالطلاق فيما لو كانت حاملا بأنثى، ورجل ينتابه الخوف والقلق بشأن من يحمل جثمانه إذا ما وافاه الأجل وهو اب لخمس بنات، وامرأة تحولت حياتها الى جحيم ورحلة دائمة من العذابات للبحث عن 
ولد.
قصص حزينة تتلوها قصص أكثر مرارة تتجذر في ردهات مستشفيات الولادة، وتتبرعم في عيادات الأطباء، وتورق في حكايات النساء مع القابلات المأذونات، لكن شريط الحزن ينقطع احيانا بزغاريد المنتظرين على ابواب صالات العمليات وهي تعلن الفرح بإنجاب ولد، ثم يعود الحزن ليخيم على النفوس من جديد بثقل صمته، وعبارات الأسف والأسى بولادة بنت، وكأنها كائن من الدرجة الثانية، وفي غمرة الصمت المطبق يلوح شبح زواج الرجل من امرأة ثانية في الافق حاملا معه خطر هدم الحياة الزوجية على أمل الحصول على ولد، ولذلك تبقى المرأة قلقة ومنشغلة البال، وتتحول حياتها الى سعي محموم وحرب ليست فيها هوادة من اجل الحصول على ولد حتى لو كان ذلك عبر الجداول الصينية!.
  ويقول السيد فالح عزيز الموسوي: "غالبا ما تقع المرأة ضحية لقناعات مغلوطة وتصورات موروثة لا تمت الى العلم والدين بصلة، فعملية اقتران الرجل بالمرأة مبنيَّة من الناحية الطبيعية على تشكيل نوع الانسان على الارض وضمان استمراره، وان الالحاح على طلب الولد وتحميل المرأة مسؤولية تحديد نوع الجنين مبني على الجهل بحقيقتين: الأولى هي عدم قدرة الانسان على تحديد نوع الجنين والثانية التدخل بسلطان الله القاهر لعباده الذي اكده الله تبارك اسمه في أكثر من آية منها قوله تعالى "يهب لمن يشاء اناث ويهب من يشاء الذكور ويجعل من يشاء
 عقيما".
أم البنات

وقريبا من احدى الممرات المؤدية الى قسم التحليلات المرضية بدت على قسمات وجه ندى علامات الخوف والقلق وهي تنتظر دورها في اجراء فحص السونار لمعرفة نوع الجنين بعد  تحملها للكثير من التهكم والتصريحات الساخرة التي كانت تتلقاها من اهل زوجها كلما سمع أحد بحملها نتيجة انجابها ثلاث بنات.
 وتروي ندى بحسرات تحرق القلب وبدموع ساخنة رحلتها للبحث عن الولد: كنت أعتقد ان فرحتي بكوني أما ستدوم طويلا، لا سيما بعد ان أصبح لدي ثلاث بنات، غير انها بدأت بالغرق شيئا فشيئا في قاع اللوم ومرارة تعليقات بعض المقربين الذين ما ان تلقوا خبر رغبتي بالانجاب حتى اعربوا عن مخاوفهم من انجاب "رابعة" اي الفتاة الرابعة، ودفعني هذا الامر الى استخدام بعض البرامج "المجربة" كما يقال عسى ان أرزق بولد.
 وتعلِّق الدكتورة مها المرسومي المختصّة بالنسائية والتوليد على مدى صحة بعض الجداول المستخدمة في تحديد نوع الجنين قائلة: "هناك بعض الجداول التي تعتبر نوعا من انواع التنجيم لأنها تعتمد على العمر والشهر كالجداول الصينية، أما على المستوى العلمي فهناك الجدول الذي يعتمد على تهيئة الظروف الملائمة لأن تكون الحيامن الذكرية اقوى لتلقيح البويضات، عبر تحديد الوقت المناسب للجماع وتحديد نوع الطعام الذي يساعد على ان تكون افرازات المرأة قاعدية فتسهم في انجاب الولد، ونسبة نجاح هذا الجدول بالنسبة الى الجداول الاخرى جيدة".
آمال مزيفة

وتجدد أمل ندى حالما عرضت عليها بعض النساء مقترح اللجوء إلى الجداول الصينية على الرغم من تأكيدهن ان تلك الجداول قد تصيب وقد تخيب.
 وتواصل ندى سرد فصول معاناتها بعد ان جلست على مقعد مخصص للمراجعين والتقطت شيئاً من انفاسها موضحة ان: "كل امراة تشعر بالفضول خلال اشهر الحمل الاولى في معرفة نوع جنينها، لا سيما ان قلق أم البنات وخوفها من تكرار التجربة يزداد في كل دقيقة ولحظة، وتتراجع سعادتها حين تثبت الفحوصات والأجهزة الطبية ان جنس مولودها المنتظر أنثى، فتجر أذيال الخيبة والانكسار على أمل ان تجد حلا لمعاناتها".
وكانت تحلم ان فرحتها ستتسع عندما تعرف ان مولودها المنتظر سيكون ذكراً، معتقدة ان ذلك بمثابة الماء الذي سيلقي على ألسنة اهل زوجها المتأججة بنيران اللوم والاتهام فيحولها الى رماد متناثر، لكن ذلك كان "هواءً في شبك" عندما قال لها صاحب العيادة ان جنس الجنين لم يتضح بعد.
وتقول الدكتورة شيماء عبد العزيز استاذة علم النفس التربوي في جامعة بغداد: "مشكلة الام التي تنجب البنات فقط من المشكلات البارزة التي تعاني منها النساء، ففي نظر المجتمع لا يمكن ان تكون المرأة كاملة إلا بإنجاب الذكر على الرغم من النجاح الذي قد تحققه في العمل الاداري أو السياسي أو الاجتماعي، وهي بذلك تبقى اسيرة نظرة المجتمع ولا يمكن لفرحتها ان تكتمل إلا بقدوم الولد، وعلى الرغم من ان العلم قد انصف المرأة وحمَّل الرجل مسؤولية تحديد نوع المولود، الا أن ذلك العملاق الاجتماعي سينقض ثأراً لهزيمته، مكرِّساً معنى تخلُّف مجتمعاتنا الشرقية فيحمِّل المرأة مسؤولية انجاب الاناث. ولذلك تواظب الزوجة على الانجاب فيصبح لديها سبع او ثماني بنات على أمل قدوم الولد الذي قد لا يأتي. ولذلك يهرب الامان والاطمئنان من قلب المرأة ويعطي للرجل مساحة يرمي بها مخاوفه ويعلق عليها آماله اما بتكرار الزواج او بمطالبة الزوجة بالإكثار من الانجاب من اجل الحصول على الولد. 
مشاعر متأرجحة

وتقول احدى الممرضات التي شاركتنا الحديث عن تلاعب بعض مراكز فحص السونار بمشاعر النساء، قبل الاعلان عن جنس المولود، يسألون الام عن عدد اولادها وبناتها فإذا كانت أما لعدد من البنات ولم يكتب لها الله انجاب الذكور، فيتم التشخيص ببطء لمعرفة جنس المولود، ثم ينصحونها بإعادة الفحص في وقت لاحق بحجة عدم قدرة الجهاز على تحديد جنس المولود حالياً، وفي نهاية أشهر الحمل الاخيرة يتضح انها حامل بفتاة، فيدق ناقوس الخطر في اعماقها حتى يوم الولادة خوفا من الطلاق أو زواج شريك حياتها من امرأة
 أخرى.
 وقريبا من هذا الرأي تعتقد الدكتورة مها المرسومي أن جهاز السونار وبتقنياته المتعددة، لم يخترع لمعرفة جنس المولود فقط، فإذا أردنا الحديث عن جهاز السونار ومدى كفاءته، فـإنه جهاز دقيق، ويعطي نتائج صحيحة من ناحية القلب والرئة ومكان المشيمة، إلا ان مجتمعنا يبتعد عن حالة الجنين الصحية باحثا عن سؤال واحد فقط (حامل بولد لو بنية؟). 
وتؤكد المرسومي ان هناك بعض اطباء السونار غير قادرين على معرفة نوع الجنين نتيجة قلة خبرتهم في هذا المجال، وليس بقصد التلاعب بمشاعر النساء كما يعتقد البعض، ولكن على الرغم من ان هناك سونارات موثوقة ومعروفة الا ان الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، فتحدث مشاكل كثيرة  للكادر الطبي الموجود في المستشفيات، لذلك يجب التعميم على جميع مختبرات السونار بعدم اظهار نتائج الفحص للمرضى.
واليوم، وبعد تجارب مريرة، لا تجد ندى غير الله تتضرع إليه في كل لحظة عسى ان تكتمل فرحتها التي طال انتظارها بالحصول على ولد.

محرر الموقع : 2015 - 05 - 26