هل أصبح التجسّس أفضل وسيلة للتَّنافس على الصَّفقات؟
    

تلجأ بعض البلدان إلى التجسّس في المجال الاقتصادي والصناعي لمجاراة الشركات المنافسة والفوز بالصّفقات العالميّة. وتتزايد مخاطر التعرّض للتجسّس كلّما ظهرت برامج رقميّة جديدة قد تحتوي على فيروساتٍ للتجسّس عبر شبكة الإنترنيت.

تصل الخسائر السنويّة المترتّبة على التجسّس في المجال الصّناعيّ إلى أكثر من خمسين مليار يورو، حسب ما خلصت إليه دراسة نُشرت مؤخّراً، وأجراها اتحاد الصّناعات الإلكترونيّة المتقدّمة BITKOM. وتمّ استجواب أكثر من عشرة موظّفين في 1074 شركة، حيث اعترف نصف عدد المستجوبين بأنهم كانوا ضحيّةً للتجسّس أو للتّخريب المعلوماتي أو لسرقة بيانات. نسبة 28 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم، أوضحوا أن الشكوك ساورتهم حول قيام جهة ما بالتجسس عليهم. ويأتي قطاع صناعة السيّارات في المرتبة الأولى من بين القطاعات المعرّضة للتجسّس، يتبعها قطاع الصناعات الكيماويّة والصناعات الدوائيّة في المرتبة الثانية، بينما حلّ قطاع المال والتأمين في المرتبة الثّالثة.

الارتباط بشبكات الإنترنت العالميّة تجعل التجسّس في الوقت الحاليّ أسهل من أيّ وقت مضى، كما أنَّ لصوص البيانات غير مجبرين على التسلّل إلى مباني المكاتب أو إلى مختبرات، أو إلى منشآت الأبحاث من أجل السّرقة، مادامت خيوط الإنترنيت التي تربط البيانات الحكوميّة أو البيانات الخاصّة، تستطيع خرق أنظمة تكنولوجيا المعلومات، كما يمكن نسخ كميّات كبيرة من البيانات للشّركات المنافسة لها.

هذا التَّنامي لخطر التجسّس الاقتصاديّ، لفت أيضاً انتباه المكتب الاتحاديّ لحماية الدّستور(المخابرات الدّاخليَّة الألمانيَّة)، حيث حذَّر في مقدِّمة كتيّبٍ نشره العام الماضي، من التجسّس، حيث قال: "التجسّس الاقتصاديّ هو ظاهرة خطيرة تشهد تزايداً مستمرّاً، ولكن على مستوى الممارسة، يتمّ في الغالب التّقليل من خطرها في ظلّ العولمة التي يعيشها العالم، والمرتبط بالشّبكة العنكبوتيّة". ويحذّر المكتب الاتحاديّ لحماية الدّستور بشكل خاصّ من الأجهزة الأمنيّة في بلدانٍ أخرى، وذكر المكتب أسماء أجهزة بعض الدّول، كأجهزة المخابرات الروسيّة والصينيّة، الّتي يرجَّح أنها تقوم بالتجسّس الاقتصاديّ بطلبٍ من حكوماتها. كما أشار المكتب الاتحادي لحماية الدستور، إلى أنّ الدّول الغربيّة بدورها تتجسّس على المنافسين عبر أجهزة استخباراتيّة. ويرى الخبير الأمنيّ في مجال الإنترنيت، مارسيل ديكو، من المعهد الألماني للسياسة الدوليّة، أنّ بعض الحكومات تقوم بـ"تصيّد عرضي" لمعلومات وأسرار شركات أخرى منافسة في المجال الصّناعيّ، وبشكلٍ ممنهج.

بعض البلدان طوّرت أدوات التجسّس للحصول على التّفاصيل الفنيّة، حسب الخبير الأمني الفنلنديّ ميكو هيبونين. وأشار هيبونين في حديثٍ صحفيّ مع وكالة الأنباء الألمانيّة، إلى مثال الصّين. فقبل عامين، عُثِرَ على فيروس يسمَّى Medre ، يقوم باستنساخ الرّسومات الهندسيّة الرقميّة ثلاثيّة الأبعاد. هذا البرنامج الّذي تمّ العثور عليه خارج الصّين، يقوم بعدها بإرسال تلك المعلومات عبر البريد الإلكتروني إلى بيكين، وهو ما جعل ميكو هيبونين يعتقد "أنّ الأمر يتعلّق بعملية تجسّس من الحكومة الصينيّة".

بالإضافة إلى المعرفة التقنيَّة، يهتمُّ المنافسون أيضاً باستراتيجيّات التَّسويق والتّفاوض. فالمعرفة المسبقة بتفاصيل عروض الشّركات المنافسة في طلبات العروض الدّوليّة للقطارات عالية السرعة أو الطائرات، يمكن أن تدفع بالصفقة للنجاح أو الفشل. وسبق للبرلمان الأوروبي أن أشار في تقريرٍ صدر في العام 2001 إلى مثال جهاز التجسّس الأمريكيّ"Echelon".

ويرجّح التقرير أنَّ وكالة الاستخبارات الأمريكيّة قامت بالتنصّت على مكالمة بين وكلاء شركة الطّائرات إيرباص ومفاوضيها، فسلّمت تفاصيل المحادثات إلى الشّركتين الأمريكيّتين المنافستين البوينغ و"McDonell-Douglas". وفي النّهاية، تمكّنت هذه الأخيرة من الظّفر بصفقةٍ بقيمة ستّة مليارات دولار، رغم أنّ الوعي بخطورة الوضع بدأ يتزايد في صفوف الشرّكات الألمانيّة، إلا أنَّ تأمين المعلومات داخل الشَّركات المتوسّطة لا يشكّل جزءاً مهمّاً من سياستها، وخصوصاً أنّ كلّ تطوّر في المجال التكنولوجيّ، يعني مزيداً من المغامرة بالبيانات الخاصّة، الّتي يمكن أن تصل إلى أياد أجنبيّة.

ويذكر إن دلّ  هذا على شيء، فإنما يدلّ على طبيعة العالم المادّيّ اليوم، والسّعي الحثيث من أجل تحقيق المصالح والأرباح، بغضّ النّظر عن شرعيّة الوصول إلى ذلك، وهو ما يترك الآثار السلبيّة الخطيرة على الاقتصاد العالميّ، ويجعل حفنةً من الشّركات وبعض الدّول تتحكّم بالمسار الاقتصاديّ والماليّ للناس دون حسيب أو رقيب.

محرر الموقع : 2015 - 05 - 28