رؤية علميّة لِمَا بعد المعاصرة(2)
    

رؤية علميّة جديدة لعالم جديد يبحث في حقيقة العقل و دوره في إسعاد البشرية عبر تحقيق نظام إجتماعيّ أمثل بدت البشرية بحاجة إليه اليوم و أكثر من أيّ وقت مضى بعد فساد و تكبر الأنظمة التي حكمتها شرقاً و غرباً لكثرة النظريات و الآراء الفلسفية و تعدد الأنظمة الإيبستيمولوجية التي إبتدعها  الفلاسفة من دون مراعاة نظر الباري تعالى فيها لكونه هو الأعلم بما صنع و أبدع خصوصا في المجال الأجتماعي الذي لا يمكن تحديده بآلأرقام و بآلكميات و الوحدات العلمية الدقيقة كما هو حال العلوم الرياضية و الفيزيائية!

 

العقل الأنساني ما برأ يبحث عن السّعادة حتى باتت ضالته المنشودة منذ هبوط آدم على الأرض و إلى اليوم و لم يفلح رغم نزول الكتب السماوية التي تم تحريفها بجانب نظريات الفلاسفة من تحقيق حتى أبجدياتها, بل وصل الحال به في ظل أحدث نظام غربي ديمقراطي لئن يسعى ليل نهار و بعبودية مفرطة لتأمين وسائل عيشه المادي فقط و لم يفلح الجميع حتى في ذلك!

فكيف يمكن أن ينال السعادة إنسان اليوم المقهور بسبب النظام الأقتصادي الغربي الظالم و هو لا يعرف الأسس الصحيحة لأبجديات الحياة و الوجود و في مقدمتها حقيقة عقل الأنسان و قواه الخفية الخارقة!؟

 

في الحلقة الأولى تطرّقتُ بإيجاز لحقيقة العقل الأنساني و قسّمته لقسمين رئيسين هما؛

العقل الظاهر؛
العقل الباطن؛

و أشرتُ لمدى قدرته على تثوير قضايا الوجود و كشف الحقائق و آلأسرار الغامضة فيما  لو تمّ معرفته ثمّ تثويره وفق المديات التي أرادها الله له, و هذا ما أشار لأهميته آينشتاين في أواخر سني حياته كما آخرين من آلذين برعوا في آلأنتربولوجيا و فيزياء الكوانتوم مع آلأشارات القرآنية لأهمية العقل من دون بيان التفاصيل!
 (Antheropol0gy)

 

و من خلال الردود و المتابعات التي وصلتني حول القسم الأول إقتنعت بضرورة تقديم حلقات أخرى لبيان توضحيات شافية عن هذا الموضوع الهام و المجهول و آلخطير, و لذلك سنقدم حلقات أخرى بشأن الموضوع إن شاء الله.

 

و لعلّ الحقّ كان مع بعض المتابعين و الكتاب لقلّة معرفتهم بحقيقة العقل و مستوياته, و لهذا كان ما كتبناه بحثاً جديداً بآلأساس لم يتطرّق لتفاصيله غيري من قبل في العالم العربي على الأقل و كذا العالم سوى معدودين لا يتجاوزون عدد الأصابع قديمأ منذ تقسيمات أرسطو و أفلاطون لبعض ظواهر آلعقل و حديثاً حتى يومنا الحاضر بإستثناء بحوث يونك و أليكسيس كارل ..

 

بجانب إشارات عامة وردت في القرآن الكريم قصّر في بيانها و تفسيرها المفسرون و المفكرون للأسف كما قصّروا في غيرها من آلمباحث القرآنية الأخرى خصوصاً الأجتماعية و آلأنسانية و الأقتصادية و السياسية و التربوية!

 

 و لعلّ إهمال معرفة العقل و قوانينه و دوره بشكل كامل و شامل يُعَدُّ أحد أبرز و أهمّ الأسباب التي سبّبتْ التخلف و ولّدتْ الأرهاب و الفوضى و الفساد المالي و الأداري و آلأقتصادي في بلادنا و العالم أجمع .. و العلة في ذلك يعود إلى فقدان المنهج الحوزوي كما مناهج جامعاتنا و مراكزنا العلمية لمثل تلك البحوث الهامة التي تؤسّس لهندسة العقل و الحفاظ عليه لتطوير آلأنسان و المجتمع و بناء الحضارة الأنسانية المطلوبة لا آلحضارات المزيفة الحيوانية المبنية على القوة و التسلط و التكبر و كما كان الحال مع الحضارات القديمة و الحضارة الغربية الحديثة المعاصرة!


و قد حاولت خلال سنين طويلة ألتطرق لموضوع العقل و قوى الأنسان الخارقة بشيئ من الأسهاب في مقالاتي و بحوثي و محاضراتي الموسعة منذ أكثر من ربع قرن بعنوان (أسفار في أسرار الوجود) و تحت عناوين أخرى, بجانب بعض الدراسات الجامعية التي حذرتُ فيها أيضاً من مغبّة تدمير بلادنا – بل كل بلاد العالم و مستقبل أجيالنا بسبب النهج العقلي ألأحادي الخاطئ الذي إتبعه و ما زال الناس يتبعونه و على رأسهم المدراء و المسؤوليين و المربين و السياسيين و العسكريين و آلأحلاف الدولية و العالمية و حتى أهل الدين من المراجع و أساتذة الحوزة ألذين خلّفوا لنا فقهاً متحجراً و ديناً مجرّداً من المعرفة و الحب و الإيثار و العطاء, كل ذلك بسبب التعاطي الخاطئ مع مبادئ العقل و مستوياته للأسف, و كان ما كان بسبب ذلك ليؤكد الواقع حقيقة ما أشرنا له بهذا الشأن الخطير و الخطير جداً قبل عقود .. و آلشيئ المؤسف أن الكثيرين أعلنوا تكفيري و خروجي عن دين الأسلام!

 

 و لولا  تأكدي من عدم وجود آخرين لملأ هذا الفراغ الكبير و الهام جداً .. و كذلك أهميته القصوى لعلاج واقعنا المأزوم عقلياً و روحياً و نفسياً, لما تطرقت لقضية آلعقل و فضاآته الواسعة التي تمثل مركز النشاط الأنساني و آلمنطلق نحو بناء حياة أفضل و مستقبل أزهر سعيد؛ بجانب إطلاعي خلال الأيام الماضية و بعد مرور كل هذا الزمن؛ على ملاحظات محزنة و تعليقات سطحية و أمثلة دنيّة تُدلل على بساطة المعرفة لدى الأوساط التعليمية و الدينية و التربوية, و كما تبين ذلك من ملاحظاتي و تعليقاتي على آراء بعض الأصدقاء و كذا المدعين للعقل و الحداثة و المعاصرة .. و التي كشفتُ من خلالها عظيم فقرهم و جهلهم بحقيقة القيم و آلعقل نفسه الذي يتحدثون عنه, ناهيك عن دور و مكانة الروح التي لم يبقى لها أي مكان في التفكير و  الحياة!

 

كما لا بُدّ من الأشارة إلى أن أفضل المُدّعين للدّين من المراجع الكبار لم يتجاوز كلامهم مدار تعظيم العقل من خلال ذكر الروايات و آلآيات التي أكدت على مكانة العقل و إمتيازه عن باقي أعضاء البدن لا أكثر .. و لم تتطرق إلى ميكانيكية عملها و القوانين و الفضاآت الدقيقة التي تشرف عليها و تبدع فيها, بل إقتصرت على درج الآيات و الرّوايات كإشارات لاهمية العقل بكونه الخلق الأول و آلأعظم الذي خلقه الله تعالى في الوجود, ليتراكم آلمزيد فوق التراكمات التأريخية ألتكرارية, و التي كشفت جهل الكاتبين و الناطقين بما فيهم ألأسلاميون!

 

و الغريب أنّ المدّعين المعاصرين أيضا - مع جهلهم المطلق بهندسة العقل و فضاآته التكوينية و السايكلوجية بجانب البايلوجية و آلأثلوجية؛ رأيتهم رغم ذلك يتكلمون عن أبعاد الموضوع و تطبيقاته بخلط عشوائي مبين يتقزز منها النفس لكونهم غير مختصّين أولاً و كذلك لم يدرسو الموضوع لا أكاديمياً و لا بوعي ديني و أدبي, و لذلك حزنت كثيراً على حال أمتنا و على العراق و العربان خصوصا كما حزنت على بقية العالم عموماً لما يُعانونه من تخلف و جهل مُثمّنْ أحاط بحياتهم و بوجودهم مع عناد إضافي متأصل للماضي عند الشرقيين كعناد عتاة الجاهلية الأولى!

 

و لذلك كلّه إضطررت لكتابة حلقات أخرى سريعة مع مراعاة الأختصار و البساطة في عرضها مع عناوين بعض القضايا الهامّة آملاً التوسع فيها لبيانها مستقبلاً للصالح العام إن شاء الله!

 

حقيقة العقل الظاهر و العقل الباطن:

ما زال الناس يعتقدون بأن عقل الأنسان هو هذا العطاء الظاهر منه و المُسيّر لجسم الأنسان و قاضي حوائجه الأولية اليومية, و إن ما قاله (ألكسيس كارل) الذي ترجمت نظرياته للعربية خلال السبعينات هي كل المعرفة المتعلقة بداخل الأنسان, بيد أن حقيقة قوى  الروح الخارقة و قوى العقل التي يستخدمها طوال حياته لا تمثل سوى 10% و كما أشرنا له و هذا هو الجانب المثمر الذي يظهر في الوجود من خلال جملة من الفعاليات المنظورة لسعي الأنسان, و يمكن تشبيه العقل الظاهر ألمنتج – بآلجزء القليل الظاهر فوق سطح الماء من كتلة ثلجية كبيرة غاطسة في الماء!

 

أما حقيقة النسبة ألكبيرة الباقية فأنها خافية و غير معروفة و كما هو الحال مع قضية (العقل الباطن) ألمخفي الذي لا يُعرْف و لا يُسْتخدم بسبب ضموره في وجود الأنسان و جهله المطلق بقوانينها و كيفية تثويرها!

Conscionsو قد إستطاع (كارول يونك) أنْ يُحدّد المقدار بنسبة مئوية ثابثة عبر مخططات و براهين عديدة بكون العقل الظاهر (الكونجس) في رأس الأنسان يمثل فقط 10 % من كل  القوى العقلية و الفكرية التي يمتلكها كلّ إنسان بغض النظر عن تفاوت نسبة الذكاء من شخص لآخر و هذا بحد ذاته موضوع آخر منفصل عن موضوعنا تتدخل فيها الوراثة و آلمناخ و التربية و آلأجواء الأجتماعية و السياسية الأخرى!

 

 و هذا القسم يمثل العقل الحقيقي(القلب)!Subconscionsأما معظم قوّة العقل ألخفية فإنها تشمل 90% و كامنة في (السبكونجس) وهو يعادل القسم الأكبر من الثلج الغاطس في الماء, و له خصوصيات هامة سنتعرض لها في الحلقة القادمة إن شاء الله!

 

و الحقيقة فأنّ العقل الظاهر و المعروف لعامة الناس ليس مسؤولاً سوى عن مجموعة محدودة من العمليات العقلية العادية القصيرة و آلحسابات الأولية الطارئة و كما هو واضح في الصورة المرفقة!

لكن القضايا و المهام العقلية الأساسية و المصيرية فأنها تتعلق بآلعقل الباطن (السبكونجس) أو ما نسميه بآلقلب الذي وحده يدير تلك العمليات الكبيرة و النوعية و الستراتيجية, فهو الأساس و المكون لوجود الأنسان و قراراته المصيرية و مشاريعه الأساسية و من هنا أكد القرآن الكريم على دور (القلب) أو (العقل الباطن) على الأنتاج الحقيقي المثمر كمركز حيوي للفكر الأنساني, و إعتبر العقل العيني الظاهر السطحي لتمشية الأمور و حلّ المسائل و حفظ المقالات و الأشعار و النظريات, و لهذا قال تعالى:

 [إنها لا تعمي الأبصار بل تعمي القلوب التي في الصدور]!

و هذه الأشارة العميقة كما غيرها تدلّل في بيانها على أن أصل وجود الأنسان و عمقه الوجودي ينحصر في الفكر و كما هو متفق عليه بين العلماء الكبار ألذين حدّدوا حتى نسبته و بدقة عالية سنبين تفاصيلها لاحقاً!؟

 

هناك عوامل و مكونات عديدة تشترك لتكوين حقيقة الأنسان أو ضميره أو ذاته كما يعبر عنه البعض, و قد تتفاوت قوة و فاعلية تلك القوى و حجمها من شخص لآخر بحسب البيئة و التربية و العقائد المتبعة و النظام الإجتماعي – السياسي – الحاكم و قدرات الأنسان نفلسه, لكن جميعها تشترك بنسب متقاربة في تلك المؤثرات و منها؛ فاعلية و دور الغيب(أثر متبادل), و أثر العلوم التي حملها و أدركها؛ التربية العائلية؛ ألمدرسية؛ المجتمعية؛ توفيق الله(ألأقدار), هذه الأمور تشترك مع بعضها مجتمعة لتكوين حقيقة إنسان معين تشكل عقله الباطن الذي يقرر و يفكر و يحكم من خلاله على كل شيئ!

في الحلقة القادمة سنبين بآلتفصيل و عبر نقاط موجزة وظيفة كل عقل من العقول التي يحملها الأنسان على إنفراد بإذن الله, و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.

عزيز الخزرجي

 

محرر الموقع : 2015 - 05 - 04