عراقيون في سوريا أمام خيارين أحلاهما مرّ: العودة إلى الوطن أو تحمّل البؤس السوري
    


لميس فرحات : لجأ عراقيون إلى سوريا هربًا من الخطر والموت، فوافاهم الخطر والموت إلى حيث لجأوا، ووضعهم أمام خيارين أحلاهما مرّ، أن يعودوا إلى وطنهم الذي هجرهم، أو أن يستمروا على أمل أن تتوقف الحرب السورية قريبًا.

 

مع احتدام الصراع في سوريا على مدى العامين الماضيين، يبدو أن العنف الطائفي والسيارات المفخّخة وصعود المتطرفين الدينيين أصبح مألوفًا جدًا، خصوصًا بالنسبة إلى اللاجئين العراقيين في البلاد. ووفقًا لتقديرات الحكومة، فرّ من العراق نحو 480 ألف شخصًا إلى سوريا، هربًا من العنف العشوائي، الذي ينتشر مثيله الآن في أنحاء سوريا كافة.

اليوم يقف العراقيون في سوريا أمام خيارين أحلاهما مرّ: العودة إلى العراق غير المستقر أو البقاء في سوريا، والأمل بأن تكون الحال أفضل.

لجوء متبادل
بين الصيف الماضي والأشهر الأولى من هذا العام، عاد نحو 70 ألف لاجئ عراقي إلى بلادهم، وفقًا للأرقام الصادرة من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. وخلال الفترة نفسها تقريبًا، دخل نحو 41 ألف عراقي إلى سوريا هربًا من العنف في العراق. فالأرقام تشير إلى وجود حركة متأرجحة من اللجوء بين البلدين، حيث تستعر الحروب الطائفية وإراقة الدماء.

قالت ريم السالم، المتحدثة باسم المفوضية في المنطقة: "اللاجئون من العراق يعانون المشاكل والمآسي التي يكابدها السوريون بسبب النزاع في بلادهم"، مضيفة أن العراقيين أكثر ضعفًا ومعاناة، لأن السوريين على الأقل يحصلون على بعض الدعم من أفراد أسرهم أو عشائرهم".

أمان مكلف
استقرت غالبية اللاجئين، التي وصلت في السنوات الأخيرة في دمشق، حاملة معها ذكريات حرب العراق وندوبها. فتشير أرقام المفوضية إلى أن واحدًا من كل 10 عراقيين كان ضحية للتعذيب، وأن أكثر من 60 بالمئة منهم ينتمون إلى الطائفة السنية، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة، فيما استقر العراقيون الشيعة في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق.

كانت تكلفة المعيشة منخفضة نسبيًا في سوريا، واستطاع العراقيون إرسال أطفالهم إلى المدرسة مجانًا، لكن لم يسمح لهم بالعمل، الأمر الذي يجعل المجتمع العراقي اللاجئ يعتمد، إما على المساعدات من المنظمات غير الحكومية أو السعي إلى وظائف بسيطة لتأمين بعض المال.

عندما اندلع الصراع السوري، حوصر آلاف اللاجئين العراقيين، لأنه لم يكن لديهم المال الكافي لمغادرة البلاد أو الانتقال إلى أحياء أكثر أمنًا."هناك بعض الأحياء التي تعدّ أكثر أمانًا من غيرها، لذلك ارتفعت الإيجارات فيها"، كما قالت بيكا هيلر، مديرة مشروع مساعدة اللاجئين العراقيين، وهي منظمة غير حكومية تساعد العراقيين، مشيرة إلى أن اللاجئين يضطرون للبقاء في مناطق القتال لأنهم لا يستطيعون دفع الإيجار في مناطق أكثر أمنًا.

البؤس المألوف
محمد (47 عامًا) رجل عراقي كان يعمل في تصليح السيارات في بغداد، قال إنه هرب من العنف، مثل الآلاف من اللاجئين، ليجد مصيرًا لا يختلف كثيرًا في سوريا.

اعتقل محمد من قبل القوات الاميركية في العام 2004 بشكل خاطئ، كما يقول، وأطلق سراحه بعد أربع سنوات. حالما خرج من السجن في العام 2008، أخذ زوجته وأطفاله الستة، ثلاثة فتيان وثلاث فتيات، وهرب إلى سوريا.

اختار محمد، المسلم السني، السكن في حي تنتمي غالبية سكانه إلى الطائفة نفسها، وحاول الحصول على حق اللجوء إلى الدول الغربية، لكنه لم يفلح. وعندما بدأت الانتفاضة السورية، انقلبت حياة محمد رأسًا على عقب، إذ عاد ليواجه الخطر والموت مثله مثل ملايين السوريين في البلاد.

يقول: "هربنا من بؤس العراق فوجدنا البؤس نفسه اليوم في سوريا"، مشيرًا إلى أنه وعائلته لا يستطيعون التجوّل في الشارع، إذ أصيبت طفلته في أواخر العام 2011 بحروق في الصدر والذراع، بعدما وقع انفجار قربها أثناء توجهها إلى المدرسة.

بعد بضعة أشهر، أطلق قناص النار على امرأة في المبنى، الذي يقطن فيه محمد وعائلته، لأنها فتحت نافذة منزلها. أرسل محمد ابنه البكر إلى بيلاروسيا للدراسة في الصيف الماضي، وأعاد ابنتيه إلى العراق للعيش مع أقاربه في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

أميركا الأمل
هرب العراقيون إلى سوريا من أتون طائفي في بلادهم، لم ينحصر بين الشيعة والسنة فقط، فالأقليات في البلاد واجهت تهديدات من المتطرفين الدينيين أيضًا.

رعد يوسف، عراقي مسيحي، قال إنه هرب إلى سوريا في صيف العام 2009 مع زوجته وأربعة أطفال، بعدما قال له أفراد الميليشيات إن لا مكان له في العراق. ترك يوسف (53 عامًا) منزله ومحل إصلاح السيارات، واستقر في حي تقطنه غالبية مسيحية في دمشق. لكن سرعان ما وجد نفسه في ساحة معركة جديدة.

يقول: "نعيش المأساة نفسها التي كنا نعيشها في العراق، إطلاق النار العشوائي، الإجرام، إصابة الأبرياء والقتل في الشوارع... وكنا اعتقدنا أننا نجونا".

في آب (أغسطس) الماضي، قرر يوسف الرحيل عن سوريا، فواجهه سؤال صعب: هل ستكون عائلته في أمان إذا عاد إلى العراق؟، فاختار أن يأتي إلى لبنان مستقرًا في أحد أحياء بيروت المسيحية، حيث يعمل في تصنيع أكياس البلاستيك، في حين أن اثنين من أبنائه يعملان في سوبر ماركت قريبة من مسكنهم.

يتلقى وأسرته المساعدات من المنظمات غير الحكومية والكنائس في البلدة، لكن يوسف يأمل في أن يتم قبول طلبه باللجوء إلى الولايات المتحدة قريبًا. يقول: "عندها فقط ستنتهي معاناتنا الطويلة والخوف الذي يسكننا".

إيلاف

محرر الموقع : 2013 - 04 - 11