حوار هولنديّ تلفزيونيّ بين مسلمين ومسيحيّين
    

في موازاة نماذج قاتمة عن علاقات مضطربة واندماج متعرقِل بين مسلمين من أصول عربية أو من أبناء الأجيال الثانية والثالثة لمهاجرين مسلمين مع مجتمعاتهم الأوروبيّة، والذي زاد في سوداويتها في الأعوام الأخيرة انحسار قوى اليسار الأوروبي السياسي، في مقابل صعود مُقلق لليمين المتطرّف، هناك نماذج أخرى عن نجاحات لا تصل بالعادة إلى الإعلام الشعبي، عن علاقات سويّة بين مسلمين ومسيحيّين، يحاول كلاهما احترام مبادئ الآخر، والبحث عن فضاءات للتعايش والعمل المشترك الفَعّال. يَجمع البرنامج التسجيليّ الهولنديّ «حوار مسيحيّين ومسلمين»، الّذي عرض أخيراً على شاشة القناة الحكومية الثانية، مجموعةً من قصص النجاح تلك، مركّزاً بالتحديد على العلاقة بين مسيحيّين كاثوليك في هولّندا وبلجيكيا، ومسلمين من خلفيات مختلفة يعيشون في البلدين الجارين.

يقسم البرنامج حلقاته إلى فواصل مختلفة، فيبدأ بموضوع العيش المشترك، ثم يُقدّم حلقة عن الحوار بين أبناء الديانتين في التعليم، في حين تركز الحلقة الثالثة على موضوع العائلة وأهميتها في أي حوار، وتناقش الحلقة الأخيرة موضوع الحوار الديني خارج أوروبا.

في حلقة التّعليم، يهتمّ البرنامج بالعلاقة بين أبناء مهاجرين مسلمين ومدارس كاثوليكيّة التحقوا بها، والّتي فضّلها أهلهم لالتزامها بمعايير دينيّة واجتماعيّة معيّنة، وجدوها قريبة من نظرتهم إلى العالم. وعلى رغم أنّ التّعليم يشكّل إحدى معضلات التّعايش المشترك للمسلمين في أوروبّا، الا أنّ البرنامج يعثر على مجموعة من الأمثلة النّاجحة، كالمدرّس الهولندي الستيني الذي يملك علاقة مميّزه بطلابه من الأصول المغربيّة.

السِرّ في هذه العلاقة، وكما يكشف المدرّس، هو احترامه أفكار الشباب هؤلاء، فخلف الصورة «المتهجّمة» أحياناً لهؤلاء، هناك بشر عاديون، يحترمون من يحترمهم، كما علّق المدرّس. وهذا ما أكّدته خبيرة تعليم بلجيكيّة، تؤمن بأنّ سياسة الإقصاء التي تمارسها بعض الدّوائر السياسيّة والحكوميّة الأوروبيّة، هي السّبب أحياناً في تعثّر عمليات اندماج مسلمين مع بلدانهم الجديدة.

في المقابل، تُقدّم حلقة «العائلة» نماذج مختلفة لعلاقات نشأت على مستوى العائلة. فالمهاجر الأفغاني المثقّف الّذي أُرغم على ترك بلده لأنّه ترجم كتاباً عن الطّالبان، سيجد في صداقة عائلة هولندية ما يعينه في حياته الجديدة. الشّيء اللافت أنّ «التَدَيُّن» هو الذي سيطلق هذه الصداقة ويعزّزها، فالسيّدة الهولندية تكشف بأنها وبسبب خلفيتها المسيحية الكاثوليكيّة المتَدَيّنة، وجدت نفسها قريبةً لمسلمين، من الّذين يعانون مثلها من «وحدة»، في مجتمعٍ يذهب أقلّ من عشره إلى الكنائس، بحسب إحصاءات تقام كلّ بضعة أعوام.

واذا كان جزء من البرنامج هو حوارات فعليّة بين مسيحيّين ومسلمين، إلا أنّ البرنامج يخرج أيضاً إلى الخارج، فيرافق مثلاً مسلمين ومسيحيّين منضوين في جمعية خيرية تهدف إلى مساعدة الأطفال الفقراء في بلجيكيا. في تلك المشاهد، يتحدّث شابّ من أصول عربيّة عن المشتركات الكثيرة مع زميلته البلجيكيّة المسيحيّة المتديّنة...

محرر الموقع : 2014 - 07 - 23