المقارنة بين ( ايران وتركيا ) , الفرق بين ( المبداء والسياسية )
    

بلال الحكيم : ان العلاقات المتشابكة بحكم الجغرافيا والدين والتاريخ بين كل من ايران وتركيا تجاه المنطقة العربية , تسهل على المتابع معرفة التمايز الثقافي او السياسي لكلا الدولتان الكبيرتان ومدى تأثير كل واحدة منهما ايجابا او سلبا على الواقع العربي .

 كل ما يجيء او يرسل الى المنطقة العربية آتيا من هذان الكيانان الكبيران هو محط استفادة واستخدام وتأثر , الدولتان تمتلكان مقومات نهضوية صناعية وثقافية وفنية واسعتين , رغم التفاوت الكبير بين مادة الاخراج ودوافعها ايضا .

 طبيعة الموقف من ( الكيان الصهيوني ) , المقاومة , سوريا , العراق , اليمن , هي ايضا مسائل توضح مقدار الفروق والاسلوب في التعاطي مع القضايا المحورية لهاتين الدولتين .

 الفروق ليست سياسية فقط ..

 يمكن ان نستنتج طبيعة المنهج والاسلوب المحركان لسياسة الحكم ومبداءه وكيف انهما يختلفان اختلافا جذريا ومحوريا من خلال صورة (الامام روح الله الخميني) وصورة ( مصطفى كمال اتاتورك ) التان تغطيان جدران مجالس الاجتماعات الرسمية لكلا الدولتين والتي توضحان الخط المحدد والمرجعية الواضحة لهاتين الدولتين .

ان اغلب العلاقات بين الدول او الجماعات قبل ان تصبح سياسية او اقتصادية يكون لها مرتكز ثقافي او مبدائي , في تلك اللحظة يكون قد تحقق الدافع الاكبر لبناء علاقات واسعة وشاملة بين اي دولتين .

وهذا ما تسعى بعض من الدول لاثباته في مساعيها لبناء علاقات واسعة مع اي دولة او كيان آخر , في حين لا يكون ذلك واردا مع دول اخرى لا تسعى الا لتغليب الاثباتات على المقدرة في احداث المكاسب الاقتصادية والتنموية بغض النظر عن اي تقارب ثقافي او وجداني بين الدولتين او الشعبين . وهذا هو بالذات ما يمكن لنا ان نطلق علية , بالفرق بين ( السياسة والمبداء ) .

 ايران تحركها المبادئ :

 ان هذا الفرق بالذات هو الذي جعل ايران تحاصر وتحارب غربيا , فعندما قام الامام الخميني بثورته الاسلامية وبشعاراتها المحددة والثابتة والتي توجهت منذ اللحظة الاولى ضد امريكا ( الشيطان الاكبر ) وضد الكيان الصهيوني , كانت تتحرك من وراء كل ذلك من منطلق مبدائي واخلاقي وديني , ولم تعطي حينها اي حسابات للنتائج الخطيرة التي قد تعرض علاقتها مع العالم الغربي او العالم العربي الراضخ للهيمنة والقرار الغربي اي اعتبار .

 ولم تكن ايران مستعدة في اي لحظة من لحظات جمهوريتها الاسلامية الفتية بان تعرض مبادئها للنقاش او التفاوض لانها مبادئ ثورية وهذا ما يجعلها غير قابلة للتعديل او التنازل .

 تركيا مالت الى الغرب اكثر , ولا تزال :

 مصطفى كمال أتاتورك احدث ايضا تحول كبير في تركيا فهو مؤسس الدولة التركية الحديثة , ولكن ذلك التحول كان تحولا عكسيا ويختلف محوريا مع التحول الذي احدثه الامام الخميني , ففي حين كان هدف الثورة في ايران بقيادة الامام روح الله الخميني هي

ثورة اسلامية واضحة المعالم والاهداف ( لا شرقية ولا غربية ) , فان اتاتورك كان قبل ذلك ب56 سنه عند توليه الحكم عام 1923م , قد نزع كل النصوص الدينية من المادة 26 التي تنص على ان الاسلام هو دين الدولة , بالاضافة الى نزع كلمة ( الله ) من اليمين الجمهوري .

 في الجانب الثقافي وفي الجانب السياسي لا تزال تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية قريبة الى الغرب اكثر من قربها من الشرق .

 كنا قد انهينا موقفنا من تركيا بعد ملاحظة دقيقة للتوجه الثقافي والسياسي الذي تتبناه واثره على المنطقة , وكانت احدى تلك الاسانيد التي استندنا لها في رفضنا لما تقدمه لنا كمواد ثقافية دخيلة من خلال المسلسلات التركية والتي هي احدى صور ذلك الغزو الثقافي المليئة بكثير من الانحلال والاساءة للاعراف والمبادئ التي تربت عليها المنطقة والتي اكدتها الاديان السماوية التي يدينها ابناء المنطقة العربية .

وحدث لاحقا ان لفت نظرنا مسلسل تركي بأسم ( صرخة حجر ) والذي يتحدث عن القضية الفلسطينية والذي منع من النشر في بعض القنوات العربية , لقد كانت الحلقة الاولى فيها كثير من المشاعر وكثير من المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون من قبل الصهاينة الغاصبين , قلنا حينها كانطباع اولي بانه لاشك انه لايزال هناك في تركيا من يغلب المبادئ على اي اعتبارات شخصية او مادية اخرى , الغريب في الامر ان الحلقة الثانية بدأت تخوض مجرى آخر غريب جدا عن سياق الحلقة الاولى وعن فكرة المسلسل ككل .

فقد حدث ان رفيقا النضال الذي يركز عليهما المسلسل قد دخلت بينهما قضية اخلاقية !! احد هذين البطلين والذي هو متزوج ويملك طفلين قام بالتحرش باخت رفيقه في النضال !!!

 اردوغان والبرغماتية الغربية :

كثير من دول العالم والغربية منها بالاخص لم تعد تستند لاي مستند قيمي او اخلاقي او حضاري في تسيير علاقتها ومواقفها من دول العالم المختلفة , بل بقيت معايير تلك العلاقات مرتكزة فقط على مقدار الفائدة المكتسبة من وراء تلك العلاقة من عدمها , وبذلك يكون هناك كمرحلة لاحقة تقارب سياسي او اقتصادي او حتى استعماري .

تركيا لا تخلتف كثيرا عن هذا التوجه البرغماتي , فهي لديها مرونة كبيرة تجاه كثير من القضايا وخاصة عندما يكون النقاش الدائر حولها هو بينها وبين امريكا او بينها وبين حلف الناتو .

كان ذلك واضحا في احداث ما سمي بالربيع العربي وبالاخص بالاحداث الدائرة في سوريا , وكيف انقلب اردوغان بين دقيقة واخرى من صديق استراتيجي لسوريا وللرئيس بشار الاسد الى عدو لدود مستعد لفعل كل شيء لاجل تدمير سوريا حتى اخر حجر , وكان هذا التوجه منذ البداية وقبل حتى اي محاولة للعب دور تصالحي او تقاربي بين اطراف الازمة المختلقة , قبل ان نسمع اي موقف واضح من تركيا كنا قد شاهدنا مخيمات الاجئين قد نصبت استعدادا لاستقبال الاجئين السوريين الذي لم يتواجدوا بعد !

 وهذا ما يجعل المتابع العربي يصل الى نتيجة ان كل ما هو قادم من تركيا لا يشبهه بقدر ما يشبه غربية امريكا واوروبا .

في الوقت الذي تقول ايران انها مستعدة لتخوض المعركة والتضحيات حتى آخر لحظة فقط لكي تثبت لنفسها وللعالم بانها جزء من هذه المنطقة ومن ثقافتها ومن دينها ومن مواقفها ومبادئها .

 

محرر الموقع : 2014 - 07 - 31