الصراعات العشائرية.. تهديد للمجتمع وتكريس للأحقاد والعداوات
    

 

 

 

-مازالت الصراعات العشائرية تهدد المجتمع العراقي وتخلف وراءها خسائر فادحة، صراعات قد تبدأ بخلافات بسيطة قد تكون بين شخصين لا أكثر.

وتتكرر النزاعات العشائرية التي تنتج عن خلافات والتي يمكن حلها قانونياً، إذ تمثل تهديداً للنسيج الاجتماعي، وتسفر عن خسائر وجراحات وأحقاد، حيث إنه لأمر محزن، أن يتحول نزاع بين شخصين إلى نزاع بين عشيرتين.

نزاعات استخدمت فيها العشائر أسلحة ثقيلة، وربما طائرات مسيرة، والنتائج قتلى وجرحى، بعد كل معركة قد تستغرق أشهراً، بل سنوات، مخلفة الأحقاد والعداوات، اما القوات الأمنية فقد نجحت في السيطرة على هذه النزاعات الدموية، لكنها قدمت خسائر كبيرة فقدت فيها قادة ورجال أمن كان الوطن في أمس الحاجة إلى جهودهم.

ما زلنا نطرح هذا السؤال، متى يتوقف نزيف الدماء والعداوات والأرواح؟ ومتى تتوصل العشائر العراقية في عموم الوطن، إلى اتفاق حقيقي لإيقاف هذه المجازر غير المبررة؟ ومتى يصحو أبناء الدواوين التي كانت مضرب الأمثال؟

دم وضحايا ودموع

نبين حقائق مؤلمة عن النزاعات العشائرية التي تحدث في جنوب البلاد بالخصوص، لأنها تتكرر، ومن دون رادع، صحيح أن بقية مدن البلاد تحدث فيها مثل هذه النزاعات، لكنها ليس بضراوة تلك، التي تحدث في مدن البصرة والعمارة والناصرية، التي تقودها (دكة عشائرية) بسيطة لتنتهي بمعركة (حامية الوطيس) حصيلتها عشرات الجرحى والموتى، لم يسلم منها الأطفال والنساء وانتهاك وحرق البيوت على من فيها.

السلاح المنفلت

يعزو الشيخ (رائد عبيد حسين العلياوي) كثرة المنازعات العشائرية إلى “انتشار السلاح المنفلت والرشاوى وفساد بعض الأفراد في الأجهزة الأمنية، إلى جانب تعدد المشايخ في العشيرة الواحدة، والابتعاد عن مبادئ الدين الأصيلة، إذ إن كل شيخ يحاول أن يفرض رأيه ويأخذ (الديّة) التي يقتنع بها هو وأبناء عشيرته، مبتعداً عن أحكام وتشريعات رب العالمين”.

وتابع العلياوي، ان “انشغال شباب العشيرة بالوظائف الحكومية أضعف الانتماء الأصيل إلى الدواوين، التي كانت تعلمهم الحكمة والتعاون واحترام الأعراف العشائرية، كذلك غياب سلطة القانون وكثرة الوساطات والنفوذ من بعض رؤساء العشائر والمتنفذين، ولاسيما من الجهات الحزبية”.

فيما يقول الشيخ (حرجان البردي)، شيخ عشيرة خويلد، إنه “من المؤسف أن يتحول السلاح المنفلت بيد أبناء العشائر إلى سلاح لتخريب الأمن والسلم الاجتماعي، إذ إن شيوخ العشائر يرفضون هذه التصرفات الطائشة التي تنم عن جهل أصحابها. إن الفزعة العشائرية و(الدكة) على بيوت آمنة لا تعبر عن شجاعة العشائر، وقد كنا – ومازلنا- ندعو أبناءنا إلى حل مشكلاتهم بشكل يضمن سلامة الجميع وحقوقهم، وترك القانون يأخذ مجراه مع كل من يرتكب جريمة، إذ إن من الخطأ ان نفزع ونساعد المخطئ ونحميه، مثلما من الخطأ أن تجري حالات الانتقام من أقاربه وأبناء عشيرته من الطرف الآخر”.

ويقول السيد (زياد طارق الحسني) إن “من المهم التنسيق بين العشائر والقوات الأمنية لتوثيق الصلة والتعاون بينهما، كما أن افتقار رؤساء بعض العشائر إلى المبادئ والسنن الصحيحة أسهم في الفوضى وضياع القيم واستمرار النزاعات”.

الفوضى المختلفة

يشخص الباحث الإسلامي (علي الفؤادي) حدوث هذه النزاعات ويردها إلى الفوضى السياسية والأمنية على مختلف المستويات، ابتداء من أعلى إلى أدنى سلطة، وإلا ما معنى أن يلجأ نواب أو وزراء إلى العشيرة للمحاسبة وأخذ فصل من زملاء لهم بتهمة التشهير أو الإساءة اللفظية، في حين أنهم الاقرب لفهم دور وواجب القضاء، إلى جانب ضعف تطبيق القانون وضعف القائمين عليه أو تخوفهم.

فيما وصل الحال عند تدخل أفراد الجيش أو الشرطة لاعتقال مطلوبين بتهم مختلفة، أن تقوم عشائر هؤلاء المعتقلين بمحاسبة المنتسبين الأمنيين، ما ولد حالة تخوف من تكرار الحالة، فضلاً عن مغازلة بعض المسؤولين لتلك العشائر غير المنضبطة، وذلك لمكاسب انتخابية يلجؤون إليها عند ترشحهم للانتخابات، بل ويغطون على سلوكياتهم، كذلك غياب الوعي والتوعية لبعض السلوكيات العشائرية المسيئة للمجتمع برمته، ولا سيما في مراكز المدن، كذلك لا يفوتني أن أذكر تدفق الأسلحة بمختلف أنواعها إلى السوق السوداء عبر جهات عدة، وبالتالي وصولها إلى أشخاص أو عشائر بأكملها، إضافة إلى تسليح بعض العشائر لأسباب عدة، أهمها مقاتلة الإرهاب، فيما يقع بعضها في الأيدي الخطأ، أو للنزاع مع عشائر أخرى”.

خرق القانون

يتابع الفؤادي: “نحن هنا لسنا بصدد انتقاد منظومة العشيرة، وإنما انتقاد بعض ممارسات تلك العشائر، ولاسيما ما يتعلق منها بخرق القانون ومحاولة كسر هيبة الدولة، والتناحر والقتال وتخريب مؤسساتها، في حين أننا بأمس الحاجة إلى أن توجه تلك الفوهات نحو التنظيمات الإرهابية وليس لترويع أناس مدنيين لا ذنب لهم”.

ودعا إلى محاسبة وردع كل من يستغل اسم العشيرة لفرض إرادته أو تهديد الآخرين، سواء أكان مسؤولاً أم مواطناً عادياً، كذلك العمل على تقوية الأجهزة الأمنية ونشر قوات مركزية متخصصة في إنهاء النزاع العشائري واعتقال المتسببين به، أيضاً تضافر جهود رجال الدين في تحريم هذه السلوكيات العشائرية، والقيام بجولات ميدانية لتوعية الناس، فضلاً عن الجهود الثقافية الاجتماعية التوعوية”.

أعمالٌ إرهابية

من جانبه، يعتقد الدكتور (أسامة شهاب حمد الجعفري)، أستاذ القانون في جامعة الفرات الأوسط، بأننا “لو عدنا إلى الوراء قليلاً لنتذكر عندما كانت مفاهيم مثل (الدكة العشائرية) أو (المطلوب عشائرياً) شائعة، وكان القانون بعيداً عنها، لكن عندما تحولت إلى ظاهرة اجتماعية تشل قدرة الأجهزة الحكومية في أداء واجباتها تجاه المواطن، تدخل القضاء سريعاً لمواجهة هذه الظاهرة الغريبة عن عادات المجتمع العراقي، واعتبر الدكة العشائرية (عملاً إرهابياً)، وأصدرت المحاكم المختصة قرارات قضائية بالسجن المؤبد -او المؤقت- ضد مرتكبيها، فإن هذه الظاهرة اختفت وانتهت أو تلاشت بعض الشيء من حياتنا”.

وتابع الجعفري: ” ينبغي على القضاء أن يمارس دوره في ردع مثل هذه الأفعال الإرهابية، لأنها تهدد الوحدة الوطنية وتدخل الرعب والفزع بين الناس وإثارة الفوضى، وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب رقم 1″.

شراء السلاح

الناطق باسم وزارة الداخلية (العميد مقداد الموسوي) أكد أن “الوزارة، وفق نطاق القضاء على النزاعات العشائرية وتقليل حوادث السلاح، عرضت على المواطنين شراء الأسلحة، ولاسيما المتوسطة.” (من دون أن يحدد أسعارها، لكونها قابلة للتعديل)، كما أن الشرطة المجتمعية لها دور في التوعية من خلال الندوات وتوزيع المنشورات التحذيرية وغيرها.

وتابع أن “وزارة الداخلية تهيب بالعشائر الكريمة التعاون معها في القضاء على هذه الظاهرة (النزاعات العشائرية) الغريبة عن قيم وعادات مجتمعنا المتسامح.”

خطواتٌ جدية

ونعود للشيخ علي الفؤادي الذي وصف الموضوع بانه في غاية الخطورة وقد يتفاقم أكثر في مرحلة ما بعد داعش وربما ينتقل للمناطق المحررة مع غياب القانون وسيادة الثأر بعد تورط بعضاً من أبناء عشائر تلك المناطق إبان سيطرة التنظيم والتحاقهم به كما ظهرت بعضاً من حالات الانتقام العشوائي في المناطق المحررة، لذلك لابد من وضع الخطط المناسبة لإيقاف مثل هذا التدهور الخطير، ولزاما علينا ان نتخذ خطوات جدية، منها فرض القانون بما يتلاءم مع حفظ الأمن والأمان ولجميع المواطنين وردع المتجاوزين أيا كانت انتماءهم، والقيام بحملات أمنية تهدف للبحث عن الأسلحة لا سيما الثقيلة منها وفي شتى مناطق النزاع العشائري لا سيما مدن جنوب العراق ومحاسبة حائزيها، كذلك محاسبة من يستغل اسم العشيرة لفرض إرادته أو تهديد الأخر وسواء كان مسؤولاَ أم مواطنا عاديا، والعمل على تقوية الأجهزة الأمنية ونشر قوات مركزية متخصصة في إنهاء النزاع العشائري واعتقال المتسببين به، وتضافر جهود رجال الدين في تحريم هكذا سلوكيات عشائرية والقيام بجولات ميدانية لتوعية الناس وبهذا الصدد اصدرت الحوزة فقه العشائر السنينة العشائرية الشرعية التي نظمت حلول المشكلات والنزعات العشائرية وفق منظور الشريعة الاسلامية.

توجيهات رئيس الوزراء

ولم يبخل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من إبداء توجيهات سديدة للعشائر التي  يستقبلها منها شيوخ عشائر ووجهاء الأنبار وصلاح الدين، اذ أكد أن الحكومة عازمة على أن تكون دائماً في موقع قريب من

هموم المواطنين في جميع المحافظات وأن العشائر بوصفها مكوّناً اجتماعياً كانت دائماً حاضرة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية،

وبيّن أن المرحلة التي تلت عام 2003 ظهرت فيها العشيرة بشكل فاعل لاسيما في الوقوف ضد إرهاب داعش، وأشار إلى الحاجة لتكثيف الجهود وبلورة دور العشيرة للمحافظة على النصر ودعم الدولة وسلطاتها وشدد على أن الحكومة قد أخذت على عاتقها بناء الثقة بين الشعب وسلطات الدولة، إذ ينصبّ عملها اليومي على الأولويات ضمن برنامج واضح أقره مجلس النواب.

المصدر: الصباح

 

 

 

محرر الموقع : 2024 - 04 - 16