تحقيق صحفي يفضح صفقة ترحيل مهاجرين سرية بين ألمانيا والعراق
    

 

 

 

تعمل جل البلدان الأوروبية على تغيير خططها لمواجهة موجات اللجوء سواء من خلال تشديد مراقبة الحدود أو زيادة عمليات الترحيل. تحقيق استقصائي يفضح اتفاقا سريا بين ألمانيا العراق بهذا الخصوص.كشف تحقيق أجرته الإذاعات العامة الألمانية NDR وWDR وصحيفة Süddeutsche Zeitung أن الحكومة الألمانية توصلت إلى اتفاق سري خاص بالترحيل مع الحكومة العراقية، كانوا بصدد إعداده منذ أشهر.

ولا يزال الغموض يلف بتفاصيل الاتفاق لكن تم التأسيس له فعلا حسب التحقيق، حيث ارتفعت أرقام عمليات الترحيل إلى العراق بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، وفقًا للمعلومات الرسمية. كما أن هناك عدداً كبيراً من طالبي اللجوء العراقيين في ألمانيا، الذين ترفض طلباتهم، مما يجعل هذا البلد الشرق أوسطي ضمن اهتمام برلين لمثل هذه الاتفاقيات.

لكن هل عمليات الترحيل إلى العراق آمنة وأخلاقية؟ ولماذا أبرمت الحكومة الألمانية اتفاقها الأخير بشكل سري؟

كان هناك حوالي 26 ألف عراقي مطالب بمغادرة البلاد في ألمانيا بحلول نهاية أكتوبر 2023، وفقًا لوزارة الداخلية الفيدرالية الألمانية. وتبين الإحصائيات أيضا أنه خلال عام 2022، تم ترحيل 77 شخصًا فقط مباشرة إلى العراق، فالعديد من العراقيين في مرحلة تقديم طلب للحصول على اللجوء، ولكن لا يتم ترحيلهم طالما أنهم لا يخالفون القوانين الألمانية، ويحصل الكثيرون منهم على تصريح اإقامة التسامح Duldung، مما يعني حصولهم على قليل من المساعدات الاجتماعية في ألمانيا، وغالبًا ما لا يُسمح لهم بالعمل.

هؤلاء الأشخاص، لايعتبرون “مقيمين” في ألمانيا ويقبعون داخل منطقة قانونية رمادية، إذ يمكن دائمًا جدولة ترحيلهم فجأة. ومع ذلك، يتمكن العديد منهم بموجب تصاريح Duldung من قضاء سنوات أو حتى أكثر من عقد من الزمان في ألمانيا، وهو ما انطلقت منه الحكومة كوسيلة لردع الهجرات نحو بلدان الاتحاد الأوروبي.

شركاء في “الجريمة”

كشف تحقيق مشترك أن مسؤولين في ألمانيا والعراق قد التقوا في أوائل عام 2023 لتحديد أهدافهم المشتركة للتعاون المستقبلي: حيث قاموا معًا بصياغة إعلان نوايا يسلط الضوء على خطط تعاون أكبر في العديد من النقاط ذات الاهتمام المشترك، خاصة الهجرة القانونية وغير القانونية.

و اتفق الجانبان على “أن الهجرة القانونية مفيدة لكلا المجتمعين وتعزز العلاقات بين البلدين”، حيث تعتبر ألمانيا أن إنشاء مسارات مراقبة للهجرة القانونية من خلال تصاريح العمل والوسائل المماثلة جزء أساسي لسياستها العامة المتعلقة بالهجرة.

كما حددت الوثيقة التي وصل إليها التحقيق، أن أحد الأهداف الرئيسية للتعاون هو تعزيز برامج العودة الطوعية للأشخاص الذين ليس لديهم تصريح إقامة في ألمانيا.

ترحيب بالعراقيين في الوطن!

اتفق الجانبان على “إعادة استقبال المواطنين الذين لا يستوفون أو لم يعودوا يستوفون الشروط المطلوبة للدخول أو التواجد أو الإقامة في البلدين”.

مهاجرون ينتظرون خلف سياج سلكي في مخيم رودنينكاي في ليتوانيا. يتم الآن إعادة بعض العراقيين جواً إلى بغداد، لكن لا يرغب جميعهم في المغادرة

هذه العبارة، تشير إلى أنه بعد هذه المفاوضات ، أصبح العراق على استعداد لقبول المهاجرين الذين ارتكبوا جرائم جنائية في ألمانيا، ولكن أيضا جميع مواطنيه – بما في ذلك أعضاء من مجتمعات الأقليات مثل الإيزيديين الذين كانوا حتى وقت قريب تحت طائلة الاضطهاد الشديد.

وتسلط الوثيقة الضوء أيضًا على مناقشة تفاصيل تفعيل هذا التغيير، فوفقا للتحقيق، فإن معظم طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين العراقيين فشل أصحابها حتى الآن في تلبية معايير الحكومة الخاصة بإثبات الهوية. ويُعتقد أن هذه من مخططات المهربين للمهاجرين لأجل تمديد فترة بقائهم في ألمانيا.

لكن الآن، اتفقت ألمانيا والعراق على أن جميع هذه الوثائق سيتم تبادلها من قبل الإدارات القنصلية عند محاولة تحديد هوية شخص ما بما في ذلك تبادل البيانات البيومترية.

لا إضاعة للوقت!

هذه الاتفاقيات، التي ظلت سرية حتى الآن وفقًا للتحقيق المشترك، غير سارية المفعول، فقد أكد العراق هويات طالبي اللجوء المرفوضين بمعدل أعلى من ذي قبل، وفقًا لما ذكرته منظمة اللجوء الألمانية، Pro Asyl.

خلال عام 2022، تم استجواب 115 مواطنًا عراقيًا لتحديد هوياتهم، ولكن بحلول أغسطس من هذا العام، ارتفع هذا العدد إلى 339. وكشف التحقيق أن إجمالي عدد حالات الترحيل إلى العراق تضاعف مؤخرًا من 77 حالة خلال عام 2022 إلى 164 بحلول نهاية أكتوبر 2023.

أما رحلة الترحيل الأخيرة إلى بغداد، والتي تمت بداية هذا الأسبوع، فقد تم التأكد من أن أكثر من نصف الركاب الثمانية والعشرين قد ارتكبوا جرائم جنائية وتم ترحيلهم لهذا السبب، حسبما قال مسؤولون محليون.

صفقات خلف الأبواب المغلقة!

العراقيون هم أكثر جنسية طالبي لجوء مرفوضين حاصلون على إقامة التسامح Duldung في ألمانيا، وفقًا للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF). وفي كثير من االأحيان، وعلى الرغم من مطالبتهم في نهاية المطاف بمغادرة ألمانيا، إلا أن ذلك لا ينجح، وبالتالي يظلون عالة على ميزانية الدولة.

تعرضت الحكومة الألمانية لانتقادات كبيرة بخصوص استشارة دافعي الضرائب والناخبين بشأن هذه المسألة، وانتقدت المعارضة في البرلمان بشدة الطريقة السرية التي تم بها إبرام الاتفاق مع العراق.

وقال ألكسندر ثروم، المتحدث باسم السياسة الداخلية في حزب الديمقراطيين المسيحيين المعارض، إن المستشار الألماني أولاف شولتز لا يمكنه “ترك البرلمان والألمان في غفلة تامة بشأن الاتفاقيات التي تم إبرامها مع أي دولة”.

وقالت السياسية من حزب اليسار كلارا بونجر إنه “على الحكومة الألمانية أن تكشف عما تم الاتفاق عليه مع العراق بشأن موضوع عمليات الترحيل”.

لكن ألمانيا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي وقعت مثل هذه الاتفاقيات السرية المثيرة للجدل مع العراق. ووفقا للبحث الذي أجرته WDR وNDR وSüddeutsche Zeitung، تسعى النمسا والسويد أيضًا إلى إقامة شراكات مع الدولة ذاتها.

وقالت المفوضية الأوروبية لمعدي التحقيق، إنها تعمل بشكل وثيق مع السلطات في العراق، وأنه كان هناك “تغيير غير مسبوق في سياسة العودة وإعادة القبول في العراق في الربعين الثاني والثالث من هذا العام”. وأضافت أن الحكومة العراقية ملتزمة “بقبول جميع العائدين”. وفي الوقت نفسه، لم ينكر العراق الاتفاق، وقال لمعدي التحقيق إن تعاونه مع ألمانيا يسير على ما يرام”.

سيرتان ساندرسون/م.ب

حقوق النشر لموقع مهاجر نيوز

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

 

 

 

محرر الموقع : 2024 - 01 - 07